بيان صادر عن “حملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية”
لم يكن ليلتئم لقاء الفصائل الفلسطينية، سواء المتصارعة أو المتآلفة، بتاريخ 3 أيلول، وبدعوة من رئيس السلطة الفلسطينية، لو لم يصل التحالف الأمريكي الإسرائيلي الإمبريالي إلى هذا القدر من الصلافة والعدوانية ضد الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، ولو أنه أبقى متنفساً لوهم التسوية الذي ترسخ منذ اتفاقية أوسلو، بل وقبلها. غير أن هذا التحالف، المتمرد على القوانين الدولية والمعايير الإنسانية والأخلاقية، أجهز على كل المراهنات، من خلال إعلان وعد بلفور ثاني (صفقة القرن) ضد فلسطين وشعبها، وجر أنظمة عربية دكتاتورية ودموية وفاسدة إلى هذا التحالف المارق، متجاوزة التطبيع، لتصبح طرفا فعليا في معاداة الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض لأبشع الجرائم، التي تقترفها أنظمة الغرب الاستعماري، من خلال وكيلها في المنطقة. كل ذلك، وضع القيادات الفلسطينية، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام وإما المقاومة. أما شعبنا الفلسطيني، فهو يواصل المقاومة منذ أكثر من مائة عام، أي منذ أن اكتشف بداية التحالف الغربي الصهيوني لاقتلاع شعب أصلاني وإحلال مجموعة غريبة محله، تكون جيباً للاستعمار الأوروبيً في قلب المنطقة العربية.
جاء لقاء الفصائل كخطوة مهمة نحو وحدة وطنية تاق إليها شعبنا الفلسطيني، منذ الانقسام الكارثي عام ٢٠٠٧. فخلال هذه الفترة ارتكبت إسرائيل ثلاثة حروب وحشية، والعديد من الجرائم ضد الإنسانية، وفرضت الحصار على مليونين من أبناء شعبنا في قطاع غزة، وكثفت الاستيطان والتهويد والقتل في الضفة الغربية والقدس، فضلاً عن الاستعمار الداخلي الذي تمارسه إسرائيل ضد مليون ونصف من أبناء شعبنا في الجليل والمثلث والنقب. هذا ناهيك عن ملايين اللاجئين الذين تم تهجيرهم وتشريدهم عن وطنهم، والذين ترفض إسرائيل حقهم في العودة، تجسيداً لوحشية الحركة الصهيونية، وانعدام العدالة والأخلاق لدى ما يسمى بالمجتمع الدولي.
إن الوحدة الوطنية، القائمة على رؤية تحررية شاملة، وعلى إستراتيجية مقاومة صحيحة، هي شرط ضروري للعمل المشترك، ومقدمة للانتصار على الظلم وتحقيق الحرية والعدالة. وهي أيضاً شرط ضروري لاستعادة وتعزيز الدعم العربي الشعبي، ولاستقطاب الحلفاء من أحرار العالم للقضية الفلسطينية، باعتبارها لا تخص شعبنا وحده، بل تخص كل شعوب العالم، وبخاصة المقهورة، التي يشكل شعبنا الفلسطيني جزء منها، والتي تناضل من أجل تحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
ويبقى السؤال: هل يشكل لقاء الفصائل، وما صدر عنه من بيان وقرارات، نقطة تحول حقيقي في مسيرة الشعب الفلسطيني، وفي إعادة تحديد الطريق نحو التحرر والاستقلال؟ هل القيادات الحالية، التي تتحمل المسئولية عن الانقسام، وعن الفشل في إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية وفي تحقيق التحرر، وما أنتجه كل ذلك من خراب وطني وسياسي وأخلاقي، مؤهلة وقادرة، بل وراغبة، في تحقيق القطع مع مرحلة الأوهام القاتلة؟ وهل يمكن الانتقال والتقدم بالمشروع الوطني التحرري نحو مرحلة تحررية حقيقية، بدون الشباب وإشراك قيادات جديدة؟ هذه أسئلة يطرحها شعبنا بكل شرائحه من عمال وفلاحين ومثقفين وأسرى، وشرائح أخرى كثيرة.
وبناء عليه ترى “حملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية” أن جدية اللقاء تتأكد من خلال توفر الشروط التالية:
أولاً، الانطلاق من كون الشعب الفلسطيني، بكل تجمعاته، والبالغ تعداده ١٣مليونا، شعبا واحداً، وأن فلسطين تشمل كل الأراضي الواقعة بين النهر والبحر، وليست الضفة الغربية وقطاع غزة فقط.
ثانيا، التمسك بحق عودة اللاجئين، الذين طردتهم الحركة الصهيونية من فلسطين، واستولت على أملاكهم، ولاحقتهم في أماكن اللجوء، وشنت الحروب عليهم، واغتالت بعض قادتهم، باعتبار هذا الحق طبيعيا ومقدسا، ناهيك عن كونه قرارا أمميا منذ عام ١٩٤٨.
ثالثا، تحرير منظمة التحرير الفلسطينية، التي أصبحت تابعة لسلطة التنسيق الأمني، تحريرها من قبضة البيروقراطية ومن قيود أوسلو، وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، بحيث تمثل كل مكونات، وتجمعات الشعب الفلسطيني أينما وجد، بما فيهم فلسطينيو ال ١٩٤٨، وعلى أساس برنامج العودة والتحرير.
رابعاً، سحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، التي استكملت تمددها الاستعماري الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، وفرضت الحصار على قطاع غزة، ومنحت الشرعية الزائفة لاستعمارها كل فلسطين التاريخية، من خلال ما يسمى بـ“قانون القومية” – وهو قانون أبارتهايد كولونيالي سافر – وضربها بعرض الحائط كل الشرائع الدولية التي تُحرم الاستيطان في الأراضي المحتلة، وتجرم نظام الفصل العنصري القائم. لقد قالت إسرائيل، وبصورة لا لبس فيها، ومعها راعيتها الولايات المتحدة الأمريكية، أن البلاد الواقعة بين النهر والبحر هي للحركة الصهيونية، وأن لا حق للشعب الفلسطيني في وطنه، الذي لم يغادره منذ آلاف السنين، إلا تحت ضغط الحركة الصهيونية الكولونيالية وجرائم التطهير العرقي التي اقترفتها عام ١٩٤٨، ولا تزال تقترفها ضد الفلسطينيين، حتى الذين يحملون مواطنتها.
خامسا، الرد على هذا التمدد الاستعماري، وعلى “وعد بلفور” الجديد، بالإعلان أن مطلب الشعب الفلسطيني في حق تقرير مصيره ينطبق على كل فلسطين التاريخية. وهذا يعني إعادة إحياء برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، المتمثل بالعودة وبتحرير فلسطين من الصهيونية ونظامها الاستعماري والفصل العنصري. إن “حملة الدولة الديمقراطية الواحدة في كل فلسطين التاريخية” تعيد إحياء هذا الحل بصيغة حديثة، يعيش وفقها الفلسطينيون واليهود الإسرائيليون في نظام إنساني ديمقراطي مساواتي، على أنقاض نظام الأبارتهايد الإسرائيلي الكولونيالي، وفي سياق نزع الكولونيالية عن المنطقة العربية كلها. إن مشروع حل الدولة الواحدة ليس رؤية فحسب، بل هو مشروع مقاومة، يشارك فيه أيضا اليهود المناهضون للصهيونية ولنظام الاستعمار الكولونيالي الاستيطاني وجرائمه.
سادسا، إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، يشارك فيها كل الشعب الفلسطيني، وعدم استثناء أي جزء من هذا الشعب. إن اقتصار انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني والرئاسة الفلسطينية على مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، هو تكريس لاتفاق أوسلو التجزيئي والتفتيتي، ومسخ للهوية الفلسطينية الجامعة، وإبقاء غالبية الشعب الفلسطيني، وبخاصة مناطق ال ٤٨ واللاجئين، خارج التمثيل، وخارج الصراع، وخارج مشروع الوحدة الوطنية وحق تقرير المصير. ليس هذا فحسب، بل إن هذا الإقصاء يمنع مشاركة كل الفلسطينيين، دون استثناء، في النضال الفلسطيني من أجل حق تقرير المصير.
سابعاً، إلغاء كل الإجراءات العقابية، التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بحق أبناء شعبنا في قطاع غزة منذ شهر آذار/مارس 2017، وتعويضهم عن كل مستحقاتهم، لأن الحديث عن وحدة وطنية وتوافق فصائلي في نفس الوقت الذي يتم فيه فرض عقوبات على مكونً رئيسيً من مكونات شعبنا الأصيل، لا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال.
ثامنا، تبني حركة المقاطعة الفلسطينية، بشكل عملي وواضح، كأسلوب نضالي ريادي، والعمل على محاربة كل أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، وفي مقدمة ذلك إلغاء للتنسيق الأمني وحل ما يسمى بلجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي.
تاسعا، تشكيل جبهة شعبية عريضة تتبنى إستراتيجية مقاومة شعبية فعالة، تشمل النواحي الميدانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وتؤسس طريقا نحو مجتمع جديد حر وقادر على الصمود والتماسك، حتى تحقيق أهدافه المرحلية، ثم هدفه النهائي المتمثل بتفكيك نظام الأبارتهايد الكولونيالي وإقامة الدولة الديمقراطية في كل فلسطين التاريخية.
حملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية
الأحد، ٦ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٠