أصدرت “حملة الدولة الديمقراطية الواحدة” البيان التالي في تاريخ 29\1\2020 في أعقاب الإعلان عن المشروع الجديد لإدارة الإمبريالية الأمريكية لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية المسمى “صفقة القرن”
(تم نشر نص هذا البيان في اللغتين الانجليزيّة والعبريّة أيضًا)
آن الأوان
لم تكن الحركة الوطنية الفلسطينية بحاجة لانتظار معرفة تفاصيل المخطّط الاستعماريّ، الذي بدأ رئيس الامبراطورية الأمريكية الترويج له منذ استلامه الحكم، لكي تدرك حجم وخطورة هذا المخطّط على فلسطين وشعبها والمنطقة برمّتها. فقد جرى تنفيذ أخطر فصوله في وقتٍ مبكرٍ، أي نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، وضد قضية اللاجئين، وتشريع الاستيطان.
وبهذا المخطط تكون إدارة الإمبريالية الأمريكية قد وجّهت الضربة القاضية لوهم حل الدولتين، وهو وهمٌ واصلت قيادة أوسلو التشبّث به بكلّ الطرق المنافية للثوابت الوطنية بما فيها قبول لعب دور الوكيل للاحتلال والاستعمار الصهيوني، والتخلّي عن اللّاجئين وفلسطينّي الـ٤٨، والحؤول دون تمكين الشعب من مواجهة المشروع الاستيطانيّ الذي تغوّل في جميع أراضي الضفة والقدس، فضلًا عن المناطق المحتلّة عام ١٩٤٨.
ينصُّ المخطط الاستعماري الأمريكيّ الصهيونيّ على أنّ هناك دولة واحدة بين البحر والنهر هي إسرائيل، أمّا الـ13 مليون فلسطينيّ – أصحاب الوطن الذين شرّدت الحركة الصّهيونيّة نصفهم – فمصيرهم المنفى الأبديّ والعبودية الأبديّة في الكيان الاستعماريّ.
هذا الواقع لم ينشأ بين ليلة وضحاها ولا هو نتيجة ديناميكيّات المشروع التوسّعي الصهيوني، بل بقرار مسبق تبنّته بدرجات متفاوتة جميع قيادات الكيان المتعاقبة. ولم يكن تصوّر الدولة الفلسطينية، في مفهوم اليسار الصهيوني المندثر، في إطار حل الدولتين غير العادل أصلًا إلّا حكمًا ذاتيًّا في إطار السيطرة الصهيونية على جميع أرض فلسطين كلّها، وهو ما عبّر عنه يتسحاك رابين بالقول “أقلّ من دولة وأكثر من حكم ذاتيّ”.
أمّا الإدارة الأمريكيّة الجديدة برئاسة رجل الأعمال الشعبويّ اليمينيّ دونالد ترامب فقد وجدت في الواقع الكولونياليّ الذي شكّلته إسرائيل، وفي العجز الفلسطينيّ والانقسام الكارثيّ، وانهيار النظام العربي وانحطاطه، وتواطؤ وصمت قوى دوليّة أخرى، فرصة لتكريس هذا الواقع عبر مخطّط سياسيّ إحلاليّ وإباديّ، مارست مثله الولايات المتحدة ودول استعماريّة أخرى ضدّ شعوب الارض على مدار القرون الثلاثة الماضية.
لن يكون مصير الفلسطينيين كمصير الهنود الحمر أو غيرهم من الشعوب التي أبادتها الكولونيالية الغربيّة جسديًّا وثقافيًّا، فالفلسطينيّون باقون على الأرض، ويعلنون الرفض القاطع لهذا المشروع الامبريالي، ويخوضون موجات متلاحقة من المقاومة؛ وهم جزء من امتداد ديمغرافي وجغرافي عربي كبير، وقضيتهم يحملها أحرار العالم في كلّ مكان. وبالتالي فهم يحدّدون مصيرهم بأنفسهم لا القوى الخارجيّة، بالضبط كما نجحت شعوب كثيرة بالانتصار على الأنظمة الكولونيالية وإسقاطها، وآخرها تجربة جنوب افريقيا. فعندما تتبنّى حركات التحرّر رؤية تحرّرية واضحة، وخطابًا إنسانيًّا وأخلاقيًّا يتّحد الشعب ويُجنّد العالم وأحراره ويستقطب أحرارًا من المجتمع المستعمِر.
لقد آن الأوان لتسمية الأشياء بأسمائها والتخلي كلّيًّا عن الأوهام. فالواقع في فلسطين واقعٌ كولونيالي إحلاليّ متوحّش، والنظام القائم ينتمي إلى عهد مظلم وظالم ولّى وانقضى، وقضية فلسطين ليست قضية نزاع على حدود وإّنما قضية تحرّر وطني من استعمار استيطانيّ.
وبالتالي فإنّ التصدّي لهذا الواقع يقتضي توحيد الشعب الفلسطيني ومناضليه ومثقفيه وأطره المهنية والعمالية والطلابية والشبابية والنسائية في جبهة واحدة بهدف إسقاط نظام الاستعمار الاستيطاني، وصولًا إلى دولة ديمقراطية واحدة تقوم على أنقاض نظام الامتيازات العنصريّ ويعيش فيها في مساواة تامّة كلّ من يسكن فيها، وكلّ من طُرد من دياره عام ١٩٤٨ وعام ١٩٦٧.
عبر هذه الرؤية التحررية الوطنية والانسانية نستطيع توحيد الشعب الفلسطيني وبناء جبهة عربية شعبية ديمقراطية، وجبهة عالمية من المجتمع المدنيّ، وشراكة كفاحية مع اليهود الأحرار المناهضين للصهيونية والاستعمار.