لقاء | د.حيدر عيد: من خيار «البانتوستان» إلى خيار الدولة الواحدة

حاورته: بيروت حمّود

د. حيدر عيد الأكاديمي والمحلل السياسي والناشط في حملة المقاطعة في مقابلة مع «فصل المقال»  يحكي عن خيار الدولة الواحدة وفرص نجاحها، وعن فلسطينيي 48 بين إخراجهم من المشهد عمدًا ودورهم المحوري في فضح السياسات العنصرية ودفع خيار الدولة الديمقراطية الواحدة إلى النور.

إن السؤال عن فرص خيار الدولة الواحدة يحتاج، من وجهة نظر د. حيدر عيد إلى  إجابة طويلة فهو يلخص طبيعة القضية الفلسطينية وطبيعة الأدوات التي يجب استخدامها ضد الإحتلال الإسرائيلي وتعريفه من احتلال عسكري مباشر إلى استعمار استيطاني إلى أبرتهايد في أراضي 48 مارس وما زال يمارس سياسة التطهير العرقي.

فهو يعتقد انه لو اتفق الفلسطينيون على تعريف اسرائيل من المنطلق الاحتلالي نجد أن الحل الوحيد في شقه العملي_ الذي يجده تنازلاً كريمًا جدًا من شعب مُحْتل مُضْطهد يعطيه للمُسْتَعمِر الأبيض المُضطَهِد والمُحْتَل_ سيوجد من منطلقين للإجابة المباشرة،  حيث كما يقول أنه في الشق العملي لا يمكن ايجاد بديل عن حل الدولة، والذي وجد حتّى اليوم منذ توقيع اتفاق اوسلو وقبل ذلك ببضع سنوات في زمن الانتفاضة الأولى هو حل الدولتين وهو طرح ذو اشكاليات عديدة، ثم أن اسرائيل جعلت اقامة دولة فلسطينية مستقلة مستحيلة، وذلك من خلال توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وجدار الفصل العنصري وتوسيع القدس وتسميتها بالقدس الكبرى حيث أن ما تبقى من هذه الدويلة سيكون شبيها بالبانتوستانات أو المعازل العرقية التي كانت في جنوب افريقيا إبان نظام الابرتهايد، وبالتالي لن يتبقى إلا 45% من مساحة الضفة الغربية. قطاع غزة الذي يشكل 1.8% من فلسطين التاريخية تم عزله بشكل كامل وتحويله إلى أكبر معسكر اعتقال مع أكبر عدد من سكان البلاد الأصليين وهذا ما يعوق إقامة دولة  فلسطينية، والأهم من ذلك أن خيار الدولتين هو حل لا يتعامل مع حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والذي تكفله الشرعية الدولية في وفي إطار الإجماع الفلسطيني والإجماع الدولي حق تقرير المصير،  يكفل في إطار الشرعية تطبيق قرار الأمم المتحدة 194 والذي ينص على عودة اللاجئين وتعويضهم ومن ثم المساواة الكاملة للجميع بخلاف ما يمارس حاليًا من العنصرية ضد فلسطيني ال48 ،وهذا عبارة عن تجلي لنظام الأبرتهايد  والتفرقة العنصرية الذي تمارسه إسرائيل، مع أن القانون الدولي يتعامل مع الابرتهايد على أنه جريمة ضد الإنسانية. ثم ان اسرائيل تحتل عسكريا منذ العام 67 قطاع غزة والضفة وذلك بطريقة مخالفة للشرعية الدولية.

الحل الوحيد لضمان الحد الأدنى من الحقوق الوطنية هو دولة ديمقراطية واحدة كتجربة جنوب افريقيا، يضيف عيد، الحل الوحيد الذي يمكن أن يتعامل مع الحد الأدنى من الحقوق الوطنية والقومية والثقافية هو حل الدولة الديمقراطية الواحدة، وهو يختلف عن حل دولة ثنائية القومية، فأنا لا أعتقد أن لليهود أحقية تاريخية في أرض فلسطين لأن اليهودية ليست قومية، بل هي ديانة كالإسلامية والمسيحية وعندما نتحدث عن دولة ديمقراطية علمانية لا تأخذ بالاعتبار البعد الديني للسكان الموجودين على هذه الأرض بل يتم الاعتبار أساسًا وانطلاقًا من المساواة حيث جميع المواطنين متساوين عليهم واجبات ولهم حقوق، ثم أن ثنائية القومية لا تختلف عن حل الدولتين فهي تعتبر أن اليهودية قومية وبالتالي لليهود حق قومي وتاريخي في فلسطين التاريخيه، وأنا باعتقادي أن معظم اليهود الموجودين في فلسطين المحتلة يشكلون مجتمعًا استعماريًا استيطانيًا تمامًا كالبيض في جمهورية جنوب افريقيا عندما كانوا يسيطرون كأقلية على جنوب افريقيا، والحل الذي طُرح في جنوب افريقيا لم يكن تعدد القوميات أو الإثنيات بل كان ديمقراطية علمانية تعامل سكانها بمساواة بغض النظر عن اللون والجنس.

لا يوجد في التاريخ مُسْتَعمَر يأخذ في حسابه رضى المُسْتَعْمِر

يؤكد عيد لهؤلاء الذين يتساءلون عن مدى موافقة ورضى إسرائيل عن حل الدولة الواحدة كونه يحمل في طياته مشكلة “الخطر الديموغرافي” التاريخ أثبت أن فرض المطالب وإجبار تطبيقها هو الحل وليس متاهة الأخذ والعطاء.

حيث يجيب عيد، أنا لا أعرف عبر التاريخ مستعمرا استيطانيا أو مستعمرا كلاسيكيا كولنياليا سأل أهل الأرض أو أهل الأرض سألوه إذا كان يوافق على الحل أو لا، في الجزائر مثلاً لم يقولوا أن الطرفين سيوافقان أو لا، وفي جنوب أفريقيا لم يقولوا إن البيض سيوافقون أو لا يوافقون كان الحل في جنوب أفريقيا واضحا جدًا هو اجبار وخلق شرخ في وعي المستعمر الأبيض للقبول بالمساواة وبالتالي فرضت المقاطعة وعدم الاستثمار وفرض عقوبات على جنوب افريقيا حتّى استجابت لنداء الشرعية الدولية ومطالب سكان الأرض الأصليين.

نحن لا نسعى لموافقة المستعمر والمستوطن، نحن نريد إجبارهما من خلال مقاومتنا ومن خلال مطالبة المجتمع الدولي بتطبيق قرارات الشرعية الدولية من خلال عزل اسرائيل لتستجيب لهذه القرارات. وبالتالي يجب أن لا نأخذ في الإعتبار مطالب كل من المستعمر والمستوطن لأنها للأسف الشديد هي أكثر حتّى من مطالب البيض في جنوب أفريقيا إبان نظام الأبرتهايد، هي قضاء بشكل كامل على السكان الأصليين والدليل على ذلك هو عملية التطهير العرقي الممنهجة والمستمرة منذ عام 1948.

وعن دور فلسطينيي 48 في دفع خيار الدولة الواحدة وتحقيقه، يكشف عيد عن جريمة اتفاق اوسلو التي همشت على طوال عقدين دور فلسطينيي الداخل وحاولت إلغاءهم من القضية الفلسطينية واعتبارهم شأنا إسرائيليًا داخليًا.

اعتقد أن  السؤال عن دور فلسطيني ال48 في دفع خيار الدولة الواحدة يعد سؤالاً في غاية الأهمية، ففلسطينيو الداخل مواطني إسرائيل هم الجزء الثالث من مكونات الشعب الفلسطيني الذين تمارس ضدهم سياسة تفرقة عنصرية ممنهجة، وأنا اعتقد أن أكبر جريمة ارتكبها اتفاق أوسلو وبتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية هو عزل فلسطيني ال48 وعدم اعتبارهم جزءا رئيسيا من الشعب الفلسطيني، وتصوير أن الشعب الفلسطيني يتشكل فقط من فلسطينيي الضفة وغزة حيث كان هذا بمثابة تطبيق عملي لأيديولوجية اليسار الفلسطيني. لذلك فالدور الذي يلعبه الفلسطينيون في إسرائيل هو دور محوري حيث لا يمكن الموافقة على أي حل مستقبلي لا يشمل حل المشاكل العنصرية التي يعاني منها فلسطينيو ال 48، وأنا شخصيًا لا أتصور حلا للمشاكل التي يعاني منها الفلسطينيون في إسرائيل إلا في إطار حل الدولة العلمانية الديمقراطية على أساس أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني بمعنى أنه لا يمكن وجود حل سياسي مستقبلي دون أخذ فلسطيني ال48 بعين الإعتبار. 

ثم هناك قضية المقاطعة وهي من أهم الطرق التي تستخدم لمواجهة الاستعمار والاستيطان في العالم وباعتبار أن فلسطينيي الداخل يشكلون جزءًا كبيرًا من المجتمع داخل اسرائيل فيمكنهم المشاركة في حملات المقاطعة في ظل مقاطعة دولية لإسرائيل. والأهم أن هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتقهم كي لا تستخدمهم اسرائيل في حملة البروبغاندا على أنها دولة ديمقراطية وتكفل حق المشاركة السياسية للعرب فيها وذلك بكشفهم لزيف “ديمقراطية” اسرائيل.

(نشرت هذه المادّة في صحيفة “فصل المقال” وموقع “عرب ٤٨”)