وثيقة: بيان صادر عن “حملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين”
منذ الثلاثين من آذار الماضي يخوض الفلسطينيون في قطاع غزه، بعزيمة فولاذية وبإصرار لا يتزعزع، معركة العودة وفك الحصار، معركة الحرية والتحرر من أكبر سجنٍ مفتوح في العالم، فرضه عليهم المحتل الإسرائيلي منذ ١١ عاما، كجزء من إستراتيجيته لإحكام سيطرته على كل فلسطين عبر نظام المعازل المنفصلة المنسوخة عن نظام الابارتهايد البائد في جنوب أفريقيا.
اختار أهل قطاع غزة، كما فعل الشعب الفلسطيني كله في مراحل نضالية عديدة في السابق، أساليب النضال الشعبي غير المسلح، ليؤكدوا على حبهم للحياة، لا الموت، حبهم للحرية لا العبودية، عشقهم للسلام لا الحروب. غير أن المحتل الإسرائيلي الذي جاء منذ البدء مدججا بالسلاح، تعامل مع جموع الناس المحتشدة سلميا على طول سياج الأبارتهايد بوحشية بالغة، على غرار ما فعله كل المستعمرين في التاريخ بالسكان الأصليين.
أمس الاثنين، الرابع عشر من أيار، وفِي يوم إقدام الإدارة الأميركية على تنفيذ جريمة نقل السفارة الأميركية إلى القدس، توجت إسرائيل مجازر الأسابيع الأخيرة بمجزرة مهولة أخرى، ضحيتها ستون شهيدا و٢٥٠٠ جريح. كل ذلك يتم بدعم مطلق من قيادة الامبريالية الأميركية، وبتواطؤ وصمت معظم دول العالم المؤثرة في القرار الدولي، وفِي ظل خيانة سافرة لأنظمة عربية ساقطة وطنيا وأخلاقيا.
لم تبدأ الرواية أمس، ولا عام ٦٧، بل بدأت قبل أكثر من مائة عام وتوجت بإقامة دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني الذي طردت نصفه، دون أن تسمح له بالعودة إلى دياره وبيوته التي جرى مسحها عن سطح الأرض، وفق خطة معدة سلفاً.
ومن خلال إقامة اسرائيل على أنقاض شعبٍ آخر، بنت الحركة الصهيونية، المدعومة من الإستعمار الغربي، أكبر جيتو في تاريخ اليهود، في مكان هو الأقل أمنا لليهود الذين أُستغلت نكبتهم في أوروبا، عبر تضليلهم وترحيلهم الى فلسطين، حيث عاش، ولا زال، الشعب الفلسطيني، ومعهم الاف من اليهود الفلسطينيين، منذ مئات السنين. بهذا المشروع الكولونيالي، ومن خلال تهجير اليهود، أرادت أوروبا، وبعدها أميركا، ضمان مصالحها والتكفير عن ذنوبها، على حساب شعب عربي، بل الشعوب العربيه التي عاش فيها اليهود بأمان دون ان يعرفوا مظاهر اللاسامية التي كانت سائدة في هذه القارة.
كانت الحركة الوطنية الفلسطينية، التي كانت تخوض المقاومة ضد الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني، ارتأت، منذ الثلاثينات، دولة ديمقراطية واحدة كمطلب شرعي، وكحلٍ عادل لقضية فلسطين والمسألة اليهودية في هذه البلاد. غير أن قيادة الحركة الصهيونية رفضت ذلك الطرح الإنساني، وأصرت على إقامة كيانٍ اثني عنصري على كل فلسطين، مما عزز دافعية المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، ومعه حركات التحرر في العلم العربي وبقية العالم الثالث، وكذلك أحرار العالم الغربي. وبعد إقامتها وحصولها على شرعية دولية، رفضت إسرائيل قرارات هذه الشرعية، وخاصة قرار حق عودة اللاجئين، رقم ١٩٤، وهو حق طبيعي في الأصل. كما واصلت رفض تسويات توافق عليها معظم الفلسطينيين والمجتمع الدولي، وأكدت ما كان معروفا للشعب الفلسطيني من نواياها الحقيقية.
في قطاع غزة، يعيش مليونا فلسطيني على مساحة ٣٦٠ كم مربع، ويشكل اللاجئون منهم سبعين في المائة، يعيشون في منطقة الأكثر كثافة في العالم، وفِي ظروف فقر مدقع. وقد جاء الحصار الإسرائيلي الوحشي المتواصل ليحول حياة الناس إلى جحيم، بحيث لم يعد الكثيرون منهم يفاضلون بين الحياة والموت، خاصة وأن القطاع تعرض لثلاث حروب إسرائيلية وحشية خلال أقل من ثمانية أعوام.
ولهذا ليس مفاجئا أن يأتي الانفجار الشعبي العارم من قطاع غزة. إنما المفاجأة التي أزعجت المحتل هي أن الغزيين لم يختاروا الأسلوب الذي يحبذه ويبرع فيه هذا المحتل، ألا وهو العنف الوحشي الذي يمارسه عبر أحدث آلات القتل التي بحوزته. كما ازعجه أن الذين بادروا إلى هذا الفعل الخلاق ليس حركة حماس بل طلائع الشباب ومنظمات المجتمع المدني، وأن يصرح بعض الشباب المنظمون للمسيرة في وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها الإسرائيلية، بأن كل ما يريدونه هو العودة إلى بلداتهم والعيش مع الإسرائيليين بحرية وسلام في ظل نظام ديمقراطي عادل، وهو مطلب كل اللاجئين الفلسطينيين وكل الشعب الفلسطيني. وكان تصرفا حكيما أن تقدم حركات المقاومة المسلحة الدعم لهذا النموذج النضالي غير المسلح.
هكذا تمكن الفلسطينيون من إعادة الصراع إلى جوهره، وهي قضية تحرر وطني من نظام كولونيالي كلاسيكي، لا بد من تفكيكه واستبداله بنظام ديمقراطي عادل في كل فلسطين التاريخية، يعيش فيها الشعب الفلسطيني واليهود الإسرائيليون. كما أظهروا مجددا، وعبر مواجهتهم قوات الاحتلال بصدورهم العارية، الصورة المتوحشة لنظام القهر الكولونيالي العنصري. إن كل محاولات إسرائيل نزع الطابع الإنساني عن مسيرة العودة باءت بالفشل، وأن كذبها بات بائناً أكثر من أي وقتٍ مضى.
إن المعركة التي يخوضها فلسطينو قطاع غزة هي معركة الكل الفلسطيني والكل العربي (الشعبي) وأيضا هي معركة كل اليهود المعادين للصهيونية وللفصل العنصري، هي معركة الحرية والتحرر للجميع، وتسمح بمشاركة الجميع بفضل طابعها غير المسلح.
لقد آن الأوان لتجديد مسيرة النضال الفلسطيني برمته وتجاوز الأطر والمفاهيم التقليدية التي كرست المشروع الكولونيالي وإفرازاته الكارثية اليومية.
إن “حملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين” تدعو الشعب الفلسطيني، خاصة قواه الحية، في جميع أماكن تواجده، إلى الانخراط في هذه المعركة التحررية الإنسانية، وتدعو إلى تشكيل جبهة عالمية من أحرار العالم العربي والعالم أجمع، لمؤازرة كفاح الشعب الفلسطيني، لأن معركته هي أيضا جزء من معركة تحقيق العدالة في العالم، عالم متحرر من الاستغلال والاستعمار والفقر والحروب.
عاشت فلسطين حرة، ديمقراطية وموحدة!
“حملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين”
مدينة حيفا، ١٥ أيار ٢٠١٨