“حملة الدولة الديمقراطية الواحدة” تعقد اجتماعها التحضيري الثاني
(تم نشر هذا الخبر في موقع “عرب ٤٨“. كتبه عمر دلاشة وحرره باسل مغربي. تصوير أشرف عبد الفتاح.)
عقدت اللجنة المبادرة لـ”حملة الدولة الديمقراطية الواحدة”، اليوم السبت (23\6\2018)، وبحضور عشرات الأكاديميين والنشطاء العرب واليهود، في مدينة شفاعمرو، اجتماعها التحضيري الثاني؛ لإطلاق الحملة في مؤتمر واسع في الخريف القادم.
وناقشت اللجنةُ جملةً من القضايا الفكرية والسياسية، والخطوات العملية المتعلقة بكيفية تعميم فكرة الحل الديمقراطي، وخلق وعيٍ بديل عن واقع التقسيم والاستعمار والتطهير العرقي.
وافتتح اللقاء، عضو اللجنة المبادرة، الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح، بإعادة التذكير بخلفية الفكرة، والدوافع التي دفعت المبادرين لتجديد الحراك لإطلاق حملة شعبية لحل الدولة الديمقراطية الواحدة.
وقال عبد الفتّاح في كلمته: “هذه الفكرة التي نطرحها اليوم ليست جديدة، ومبادرتنا لإحيائها ليست الأولى ولا الوحيدة، بل إننا نبني مبادرتنا استنادا على التراث الفكري للمبادرات السابقة، وإلى البعد التحرري والأخلاقي الذي يحمله هذا الحل، ولكنها تنطلق من القراءة النقدية للتجارب السابقة، التي أخفقت في الإقلاع والتحول الى حركة شعبية مؤثرة”.
وأضاف عبد الفتّاح: “واليوم، وبعد أن سقط كليا وهمُ حل الدولتين وفكرة التقسيم والفصل الظالمة، وفِي ظل تغول نظام الأبارتهايد الكولونيالي ضد شعبنا، واستنادا على مبادئ العدالة؛ نسعى إلى تجديد العمل على تعميم حل الدولة الواحدة وإعادته إلى الواجهة”.
وأوضح أنه ليس لدى المبادرين اعتقاد أن اللحظة الراهنة ثورية، بل هي من أخطر اللحظات التاريخية التي تمر مؤخرا على الشعب الفلسطيني، قائلا: “نعيش في مرحلة يغيب فيها اليقين والوضوح، وتتعمق حالة التيه، ليس فقط بسبب العجز بل نظرا لغياب الرؤية والهدف النهائي الذي يمكن أن يلتف عليه الشعب الفلسطيني، وعلى هذه الخلفية تنمو الميول لدى الكثيرين نحو تبني بديل تحرري إنساني مختلف يقود إلى استعادة عناصر قوة القضية الفلسطينية، وبعدها الأخلاقي باعتبارها قضية حق لشعب واقع تحت نير نظام استعماري عنصري، وليست قضية نزاع على حدود”.
وأكد على وجود يهود معادين لنظام الأبارتهايد الكولونيالي في فلسطين، مؤمنين بالدولة الواحدة، وهو مركب أساسي في قيادة المبادرة، ويضفي مصداقية على هذا المسعى، وفق قوله.
واستعرض عبد الفتاح النشاطات التي جرت منذ الاجتماع التحضيري الأول، وما قامت بها اللجان الفرعية من تصورات للعمل؛ اللجنة الإعلامية والتنظيمية والشبابية، ولجنة التفكير، وكذلك الاتصالات واللقاءات العديدة التي جرت سواء مع شخصيات عربية أو يهودية، وقال: “إننا جميعا لمسنا التحولات عند هؤلاء في مقاربتهم للحل، وفقط نحتاج إلى مضاعفة الجهد، وإلى مزيد من الإبداع والتفكير”.
وأوضح أن اختيار اسم “حملة” بدل “حركة”، مع ان الهدف اللاحق هو تحويلها إلى حركة، نابع من الحاجة و الرغبة في شمل المجموعات الفلسطينية، والفلسطينية اليهودية الأخرى، وكذلك الأفراد الذين ينشطون من أجل هذا الحل، مُضيفا: “نحرص على المرونة، والانفتاح، وقبول الآراء المختلفة، بشرط أن يكون الجميع متفقا على فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة، نحن نعتقد أن التشدد في قضايا يمكن تأجيل البت فيها، والتوقف عند كل كبيرة وصغيرة، هو مقتلة الحركات السياسية الصغيرة، ونحن لا ننوي أن نكون مجرد حركة صغيرة، غير مؤثرة تمزقها التشنجات والنزعات الذاتية، أو جمود وضيق الفكر”.
وأنهى عبد الفتّاح حديثه قائلا: “هذا مشروع وطني ديمقراطي تحرري، يحتاج إلى سنين طويلة من العمل المضني، تتوحد فيه الأجيال، في نضالٍ مثابر ومستمر للوصول إلى وطن حر، وإنسان حر، يُؤْمِن بالعدالة والمساواة. ومن خلال العمل المشترك سينشأ جيل شاب أكثر وعيا، وأكثر تحرّرا، وأكثر فهمًا لفكرة الديمقراطية والتحرر”.
وتحدث المؤرّخ المعروف، د. إيلان بابيه، وهو عضو اللجنة التحضيرية وأحد أقطاب المبادرة؛ عن مكانة الفكرة في المجتمع الإسرائيلي قائلا: “هناك أهمية وقوة وتأثير في كون هذه المبادرة فلسطينية، ينضم إليها يهود. أن يتبنى الفلسطينيون مقولة الدولة الديمقراطية الواحدة القائمة على المساواة، من شأنه أن يُحدث تأثيرا على الشارع الإسرائيلي، نعم ليس من السهل تحقيق ذلك، فنحن نتحدث عن إلغاء نظام التفضيل والامتيازات التي يتمتع فيها الإسرائيلي على حساب السكان الأصليين، ولا يتخلى المستعمر بسهولة أو طواعية عن هذه الامتيازات. فهذا الأمر يحتاج إلى تغييرِ ميزانِ القوى من الداخل، من خلال حركة شعبية، وإلى ضغط من الخارج كالذي تقوم به حركة المقاطعة الـBDS.
وأضاف بابيه: “منذ حوالي عام ومن خلال نشاطنا نلاحظ أنّ هناك حالة قبول للفكرة تتوسع بين الناشئة في المجتمع الإسرائيلي حتى في غياب حركة سياسية وازنة حتى الآن (…) إذا نجحنا في تكوين إطار منظم يتبنى هذه الفكرة، فكرة التخلي عن نظام الفصل العنصري، ونظام الامتيازات، والقبول بالعيش المشترك القائم على مبدأ العدالة، ستتوسع دائرة التأييد. حاليا تتواجد هذه الفكرة وتنمو كتيار وليس كحركة أو قوة منظمة، لذلك هناك حاجة إلى بناء حركة شعبية منظمة وقوية ومؤثِّرة لتأطير هذا التأييد المرشح للتزايد على خلفية انسداد الأفق السياسي، وما يمكن أن ينشأ عنه من مصائب وخسائر بشرية جديدة”.
وتحدث الناشط في حراك حيفا، وعضو الهيئة التحضيرية لحملة الدولة الواحدة، الشاب محمد يونس، عن سياقات الحلول التي يتحرك فيها الحراك: “ما ألاحظه أن الغالبية الساحقة من الشباب تميل إلى فكرة الدولة الواحدة، وليس إلى حل الدولتين، ولكن معظمهم غير منظم في إطار هذه الفكرة. في التجارب السابقة في فلسطين التاريخية لم تتمكن الأحزاب من تعميم الرؤيا الخاصة بمشروع وطني فلسطيني موحد، ومعظم الشباب الفلسطيني اليوم ولد في مرحلة أوسلو و في ظل الانقسام الفلسطيني، يضاف الى ذلك الحل المتعثر لمبادرة السلام وفشل حتى الدولتين . ونشأنا كشباب في أجواء وخطاب حل الدولتين وترعرعنا على هذه الفكرة، وفِي ظل سقوط هذا الحل، وغياب البديل أو العجز عن بناء بديل، أوجدا حالة إحباط عامة من العمل السياسي، وولدت ظاهرة الحراكات الشبابية ربما تأثرا بالثورات العربية التي كان للشباب دور محوري في إطلاقها، قبل أن تحولها الأنظمة والقوى الخارجية إلى حروب أهلية مدمرة، وهذه الحراكات شهدت قفزات نوعية في السابق تُوِّجت في حراك برافر ضد مخطط اقتلاع فلسطينيي النقب، وفي مساندة إضراب أسرى الحرية الفلسطينيين، ومؤخرا حراك مسيرة العودة، الذي أنتج حراكا شبابيا مساندا في حيفا ورام الله و موقفا موحدا حول حراك مسيرة العودة في غزة”.
وكانت المداخلة الأخيرة لآيتان برونشتاين أباريسيو، مؤسس جمعية زوخروت الناشط اليوم في مؤسسة “ده كولونايزر“، التي تُعنى بقضية القرى الفلسطينية المدمرة وحقوق اللاجئين. إذ استعرض برونشتاين نتائج استطلاع أجرته المؤسسة شهر آذارعام ٢٠١٥، من خلال مؤسسة بحثية مهنية، حول موقف اليهود في اسرائيل من تطبيق حق العودة. وقال إن النتائج كانت مفاجئة، إذ أن الاستطلاع أظهر أن ما نسبته ٢٠٪ من اليهود يؤيدون تطبيق حق العودة. وعادت المؤسسة على الاستطلاع نفسه شهر آذار عام ٢٠١٧ فقد ارتفعت نسبة التأييد لحق العودة إلى ٢٧٪. ولكن عندما أُجري الاستطلاع مرةً ثالثة شهر نيسان عام ٢٠١٧ فأصرت المؤسسة على التوضيح من خلال السؤال إن تطبيق حق العودة يسمح لسبعة ملايين فلسطيني العودة إلى البلاد، فقد هبطت نسبة التأييد له إلى ١٦٪.
ويرى برونشتاين أن حتى هذه النسبة تعتبر عالية، في ظل ما تروجه الدعاية الإسرائيلية الرسمية، التي تؤكد أن تطبيق حق العودة يعني تصفية اليهود. ولاحظ أيضًا أنه نسبة التأييد لحق العودة أعلى عند جيل الشباب وعند العلمانيين.
واستنتج برونشتاين من ذلك أن موقف الإسرائيليين من حق العودة، ليس عصيا على التغيير، بشرط توفر الإرادة، والإصرار على بناء البديل الديمقراطي.
قرارات وخطوات
وبعد الانتهاء من المداخلات، وتتويجا لأكثر من ساعة ونصف من النقاش، والإدلاء بالملاحظات، تمت المصادقة على الوثيقة السياسية الرسمية، التي خضعت في الاجتماعات السابقة ، لتعديلات وإضافات، وبذلك يصبح لحملة الدولة الديمقراطية الواحدة برنامج سياسي مكون من عشر نقاط، يعتمد عقد المؤتمر الأول في الخريف القادم، حيث سيُعرض مرة أخرى التطوير، بعد أن يكون قد التحق المزيد من الأفراد بهذه الحملة.
كما قرر المجتمعون، استكمال بناء اللجان الفرعية، وضم أعضاء جدد إليها، ومواصلة تنظيم الاجتماعات واللقاءات.