مقابلة مع عوض عبد الفتاح في جريدة اللجنة الدولية

نشرت هذه المقابلة مع عوض عبد الفتاح ، المنسق العام لحملة الدولة الواحدة، باللغة الفرنسية، والانجليزية في جريدة اللجنة الدولية التي تضم عدد كبير من النقابات العالمية وكذلك في صحيفة ” اخبار عالمية ” ، المغربية والجزائرية.

حوار مع عوض عبد الفتاح، المنسق العام لحملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية

« لقد خاض الشعب الفلسطيني معارك بطولية ضد الاستعمار الصھيوني المدعوم من الإمبريالية الامريكية والامبرياليات الأخرى، ودفع أثمانا باھظة من الشھداء والجرحى والمعتقلين. ولا زال قادرا ومصمما ً على النضال رغم قيادته العاجزة والضعيفة، التي اختزلت النضال الفلسطيني في الدبلوماسية، واختزلت فلسطين في 22 % من فلسطين »

أتاحت مشاركتكم في مؤتمر اللجنة الدولية لالتصال والتبادل (CILE) الذي عقد في باريس قبل عام، وضع حل الدولة الديمقراطية الواحدة على كامل تراب فلسطين التاريخية في مركز جدول أعمال واھتمام المندوبين من أربع قارات. في 15 نوفمبر الماضي، أطلقت “الحملة من أجل دولة ديمقراطية واحدة” دعوة جديدة لتطوير النقاشات للترويج لھذا الحل، ولالنخراط في ھذه الحملة. ھل يمكن أن تخبرنا ماھي استراتيجية بناء ھذه الحركة، وماذا يميزھا عن مبادرات سابقة نادت بھذا الحل؟

للتوضيح، ليس حل الدولة الواحدة جديداً، فھو رافق الحركة الوطنية الفلسطينية منذ عام 1919 ، وتكررت المطالبة به حتى قرار التقسيم الظالم الذي أصدرته جمعية الأمم المتحدة التي كانت تسيطر عليھا القوى الإمبريالية، عام 1947. وبعد النكبة والتطھير العرقي، الذي نفذته الحركة الصھيونية ضد الشعب الفلسطيني مباشرة بعد صدور ھذا القرار، وبعد إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية في أواسط الستينات، تبنت الحركة الوطنية، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، في ميثاقھا الوطني حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين، ولكنھا، تحت ضغط القوى الدولية وبعض الأنظمة العربية، تراجعت عنه لصالح حل مرحلي في الضفة والقطاع، أي على 22 % من فلسطين، بحجة أن ذلك أكثر واقعية، ويمكن للمجتمع الدولي أن يساند ويدعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الكيان الصھيوني. غير أن ما شھدناه منذ ذلك الحين، ھو عكس ذلك، إذ انتھينا إلى واقع فلسطيني ممزق، ومتشرذم، وباتت كل فلسطين خاضعة لنظام استعماري إستيطاني متوحش. ونظام فصل عنصري (أبارتھايد). وقد بات واجبا ً على الحركة الوطنية الفلسطينية، التخلي كليا عن اتفاقية أوسلو الكارثية، واستعادة فكرة فلسطين الواحدة غير المجزأة جغرافيا، وديمغرافيا، ومن ثم إعادة بناء ھذه الحركة، كما كانت في السابق، كحركة تحرر وطني، وجزء من حركة التحرر العالمي التي ناضلت وتناضل ضد الاستعمار والاحتالل، وضد النظام الرأسمالي المتوحش، الذي خلق مشكلة فلسطين وغيرھا من عشرات المشاكل، في مناطق مختلفة من العالم. لقد خاض الشعب الفلسطيني معارك بطولية ضد الاستعمار الصھيوني المدعوم من الإمبريالية الامريكية والامبرياليات الأخرى، ودفع أثمانا باھظة من الشھداء والجرحى والمعتقلين. ولا زال قادرا ومصمما ً على النضال رغم قيادته العاجزة والضعيفة، التي اختزلت النضال الفلسطيني في الدبلوماسية، واختزلت فلسطين في ٢٢ % من فلسطين. من ھذا الواقع ننطلق، وعلى ھذه المعطيات نستند، و من مبدأ العدالة والقيم الكونية نستلھم مسيرتنا التحررية الشاملة، إلى جانب الشعوب المقھورة، والمستغَلة. نعمل حاليا على تسريع البناء والبنية التحتية للحملة. نحن بحاجة إلى إنشاء نواة صلبة من النشطاء، والمثقفين، والأكاديميين، والعمال المثقفين برؤية سياسية مشتركة، وقد أصدرنا عند انطالقنا أوائل عام 2018 ، وثيقة سياسية تشمل خطوطا عريضة موجھةلمبادرتنا، وقد وقع عليھا الآن عدد كبير من المعنيين. ونعكف منذ فترة على تطوير ھذه الوثيقة ووضع تفاصيل بخصوص مضمون الدولة المنشودة، وإستراتيجية النضال والمقاومة التي تناسب كل تجمع فلسطيني. ونحن نصف ھذا المشروع بأنه مشروع كفاحي بنائي، وليس رؤية فحسب، ونتعامل معه في المدى التاريخي.
بدأنا مؤخراً في توسيع نطاق عملنا ليشمل مجموعات تتبنى حل الدولة الواحدة، كانت فاعلة وأفرادا جددا قدموا إسھامات فكرية مھمة، وتمكنا من دمج بعضھا في الحملة. وأعتقد أن ھذه الخطوة كبيرة بالنسبة لنا. إنھا ليست سھلة، أطلقنا حملتنا من حيفا داخل الخط الأخضر، وليس من أمريكا أو أي مكان آخر كما حدث سابقا.
نحن نعمل في ظروف سياسية صعبة ومركبة، وفي غاية التعقيد، بسبب الوضع العربي والإقليمي، والدولي، وتفكك الحركة الوطنية الفلسطينية، وتغول المشروع الصھيوني في كل فلسطين. لكن نحن نعول على شعبنا، والقوى الشعبية، والنخب الثورية، التي تسعى إلى أخذ زمام المبادرة وتجديد الفكر السياسي الفلسطيني، كفكر تحرري، وبالارتباط مع أنصار الأفكار التحررية والثورية العالمية التي تناضل من أجل نظام عالمي أكثر عدالة.
نحن في أول الطريق، وأمامنا تحديات ومخاطر، ولكننا مصممون على المضي قدما في ھذا المشروع. فالناس في بعض الأحيان يشعرون باليأس والإحباط، وعلينا أن نذھب إلى الذين يظھرون عزيمة قوية لالنخراط في النضال، وقد تمكنا حتى الآن من جمع مئات الأشخاص معا، وھناك 220 شخصا وقعوا على النداء الجديد. ومنذ نشر النداء، طلب العديد من الأشخاص إدراجھم في القائمة، وھو أمر مشجع. أنا لا أقول إنه على نطاق واسع، لكنه تقدم حقيقي. لقد نمت الحملة، وھي تتطلب المزيد من الموارد البشرية والدعم المالي. وقد بدأنا في جمع التبرعات من أعضائنا.

يؤكد النداء أن دولة ديمقراطية واحدة في كل فلسطين التاريخية “ليست رؤية طوباوية، أو حال مثاليا وغير قابل للتحقيق”، ويعلن أن “ھناك حاجة ملحة لبناء وتطوير حملة فعالة من أجل تفكيك الكيان الاستعماري الصھيوني في أرض فلسطين. ھل يمكنكم توضيح ذلك؟

كل فكرة تطلق، تظھر في البداية أنھا طوباوية، وھذا ليس عيبا. بدون إطالق الخيال وتخيل مستقبل أفضل لشعبنا، أو للبشرية، لا يمكن أن نتقدم، ونخرج إلى النضال. طبعا لا بد أن تستند الفكرة الى تصور واقعي لكيفية تطبيقھا، ووضع الخطط المرحلية لتوفير التراكمية في العملية النضالية التي لا تسير عادة في خط مستقيم. وھذا ما نعمل عليه.
لا يمكن أن نتعايش مع المستعمرين. نتعايش معھم فقط عندما يتخلوا عن امتيازاتھم التي حصلوا عليھا بالقوة أي، عندما يتخلوا عن كونھم مستعمرين وظالمين. ونحن نتفق مع الرفاق اليھود المناھضين لالستعمار والصھيونية، الذين يناضلون معنا، على فكرة المقاومة المشتركة، بدل التعايش المشترك تحت نظام الاستعمار. يجب تفكيك الاستعمار ومنظومة السيطرة والنھب والقتل التي يستند إليھا في السيطرة على بالدنا، فلسطين، وعلى حياتنا، كشرط لتحقيق العدالة والمساواة. نريد تغيير النظام، بحيث تكون فلسطين ديمقراطية حقيقية بما في ذلك العدالة الاجتماعية، اذ لا يكفي التحرر السياسي.
لقد حقق شعب جنوب إفريقيا تحرره السياسي، لكن ليس التحرر الاقتصادي، ألن الفصل العنصري الاقتصادي لا يزال موجودا. والفوارق الاجتماعية ھناك ضخمة مما يؤدي إلى مزيد من الفقر والمزيد من الصراعات. وھذا ھو سبب اختيارنا للديمقراطية ، الاجتماعية فنحن نؤمن بالعدالة الإنسانية . ولن يوفر النظام الرأسمالي، الذي تنتمي له الحركة الصھيونية، العدالة لشعب فلسطين.

يبدو أن بعض الناس يتوقعون الكثير من الرئيس الأمريكي المستقبلي، ما رأيك في ذلك؟

لا شك أننا، نحن الفلسطينيين، كنا سعداء بھزيمة إدارة ترامب، لكن انتخاب بايدن الديمقراطي يثير مخاوف حقيقية بين الفلسطينيين، وأنا أعلم أن بايدن مختلف تماما في لھجة إدارة ترامب، ولكن ليس من حيث الجوھر، حول الشرق الأوسط وخاصة القضية الفلسطينية. سيكون أكثر انتباھا للھموم الفلسطينية، لكنه ھو جزء من نظام مھيكل ليكون إمبرياليا. وسوف يكون مقيدا ومنغلقا عليه. وفي الوقت نفسه، بايدن ملتزم بدولة إسرائيل ونائبته، كمالا ھارينس، أيضا. لا نتوقع منھم أن يأتوا بتغيير.
نحن خائفون أكثر من أنھم سيعيدون إحياء شبح حل الدولتين، ليس كطريقة لحل المشاكل، ولكن كما حدث من ، قبل كغطاء لاستمرار نظام الفصل العنصري في فلسطين، وإلظھار أنھم يفعلون شيئا إلسكات وخداع الشعب الفلسطيني. وھذا ھو سبب عودة السلطة الفلسطينية على الفور للتعاون الأمني مع إسرائيل، وقررت للأسف، إعادة سفيريھا إلى الإمارات والبحرين وھما النظامان اللذان أقاما تحالفا ً خيانيا ً مع نظام الاستعمار الصھيوني، في مواجھة الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية. وھذا سيخلق أوھاما جديدة وسيلحق المزيد من الضرر بجھود إعادة توحيد الفلسطينيين، كما يتضح من مبادرة ” المصالحة ” الفلسطينية التي ما أن بدأت بالفعل، حتى أقدم رئيس السلطة الفلسطينية ، محمود عباس، على إجھاضھا، وھي في المھد. الأمر المشجع على الساحة الامريكية، ھو نمو قوة اليسار والقوى التقدمية، داخل حزب جو بايدن، أي الحزب الديمقراطي، وخارجه، والتي كان لھا تأثير كبير على فوز بايدن. وكذلك الانشقاق الآخذ في الاتساع داخل مجتمع اليھود الأمريكيين، حيث يزداد النقد العلني لسياسات وجرائم إسرائيل، وفي داخل التيار الصھيوني الليبرالي الأمريكي.

والآن؟

كل ھذا يجب أن يشجع الفلسطينيين على مواصلة العمل الجاد، لا سيما المنظمات والمناضلين الذين يعملون خارج الفصائل التقليدية للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة أو الضفة الغربية. إن حملة من أجل دولة ديمقراطية واحدة ھي من بين المنظمات والمجموعات التي تحاول معارضة ھذه السياسة و بناء بنية تحتية للمشروع الوطني الفلسطيني التحرري و المتجدد القادم. نعم ھناك عدة مبادرات ومجموعات مھمة تعمل من أجل إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني، من أجل استعادة فكرة فلسطين كوحدة جغرافية وشعب واحد، وإصالح الضرر الھائل الذي أحدثته اتفاقية أوسلو بقضية فلسطين. إن “حملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية” ھي الحركة الوحيدة التي تطرح وتتبنى بصورة واضحة ومنھجية حال ديمقراطيا واضحا، وتسعى بصورة منھجية ومثابرة لتذوير الحملة إلى حركة شعبية مؤثرة في كافة تجمعات الشعب الفلسطيني. ھناك مجموعات مناضلة مختلفة أخرى وأھمھا حركة BDS الرائعة، التي تحقق إنجازات متواصلة مبھرة
في المجتمع المدني العالمي. غير أن ھذه الحركة لا تقدم حلا سياسيا محددا للصراع، رغم أن قادة بارزين فيھا مثل عمر البرغوثي يتبنون ھذا الحل. ونعتقد أنھا ستشكل في المستقبل نواة
أوسع لجبھة تحررية نحو فلسطين الديمقراطية، خاصة اذا سارعت في تبني حل الدولة الواحدة بصورة رسمية.

* عوض عبد الفتاح. وھو الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، داخل فلسطين المحتلة عام 1948 ، وكاتب صحفي.

ليس حل الدولة الواحدة جديداً، فھو رافق الحركة الوطنية الفلسطينية منذ عام 1919 ، وتكررت المطالبة به حتى قرار التقسيم الظالم الذي أصدرته جمعية الأمم المتحدة التي كانت تسيطر عليھا القوى الإمبريالية، عام 1947. وبعد النكبة والتطھير العرقي، الذي نفذته الحركة الصھيونية ضد الشعب الفلسطيني مباشرة بعد صدور ھذا القرار، وبعد إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية في أواسط الستينات، تبنت الحركة الوطنية، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، في ميثاقھا الوطني حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين، ولكنھا، تحت ضغط القوى الدولية وبعض الأنظمة العربية، تراجعت عنه لصالح حل مرحلي في الضفة والقطاع أي على 22 % من فلسطين. بحجة أن ذلك أكثر واقعية، ويمكن للمجتمع الدولي أن يساند ويدعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الكيان الصھيوني. غير أن ما شھدناه منذ ذلك الحين، ھو عكس ذلك، إذ انتھينا إلى واقع فلسطيني ممزق، ومتشرذم، وباتت كل فلسطين خاضعة لنظام استعماري استيطاني متوحش. ونظام فصل عنصري (أبارتھايد).

Ouvrières Informations
عدد 633 ، 3 – 9 دجنبر 2020