لقاء | عوض عبد الفتّاح… من “أبناء البلد” إلى “التجمع” فالدولة الديمقراطية الواحدة

حاوره: عز الدين التميمي لموقع “ألترا صوت فلسطين”

تنخرط هذه المقابلة مع السيد عوض عبد الفتاح، الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وأحد القادة السابقين لحزب أبناء البلد، في النقاشات العامة التي تجري في هذه الأيام حول أوضاع الأقلية الفلسطينية في “إسرائيل“، والآفاق المفتوحة أمام الأحزاب التي تمثّل هذه الأقلية، في ضوء التغيّرات الحاسمة التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي، وانزياحه المستمر إلى اليمين. فيما تسائل خصوصية الحالة المركبة التي يخضع لها الفلسطينيون الحاملون للمواطنة الإسرائيلية، وجدوى المشاركة في الكنيست، وجدوى مقاطعتها. 

عوض عبد الفتاح

وكذا فإن هذه المقابلة، تسلط الضوء على مرحلة مركزية في تاريخ الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني، بشهادة أحد أهم الفاعلين فيها، وتحاول المساهمة بتقديم فهم أشمل للخيارات المطروحة أمام الفلسطينيين، والحلول المقترحة للصراع العربي الإسرائيلي، من زاوية فتح النقاش عن خيار الدولة الديمقراطية الواحدة من جديد.


  • عطفًا على اشتغالك كأمين عام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي لفترة طويلة، وقبلها كنت قياديًا في حركة أبناء البلد، فإنك اليوم أحد الداعين إلى حل الدولة الواحدة، ومنسق لمبادرة جديدة هي “حملة الدولة الديمقراطية الواحدة” في فلسطين التاريخية، هل هناك علاقة بين هذين المسارين؟

نعم بالطبع. هناك علاقة تطورية وعضوية بين الطرحين، وإن كنت لا أنشط في هذه المبادرة/الحملة نيابة عن التجمع. ويمكن فهم هذه العلاقة فقط من خلال العودة إلى السياق التاريخي والسياسي الذي أطلقنا فيه مشروع حزب التجمع في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، أي على إثر اتفاق أوسلو.

يطرح البرنامج الرسمي للحزب دولة المواطنين والهوية القومية، من خلال إلغاء الطابع اليهودي الصهيوني لإسرائيل. حتى تلك الفترة كان الوطنيون داخل الخط الأخضر، المرتبطون بالحركة الوطنية الفلسطينية، يستعينون بالخطاب الكولونيالي وحركات التحرر الوطني، في النظر إلى إسرائيل باعتبارها كيانًا استعماريًا استيطانيًا إحلاليًا، وأن قضية فلسطين هي قضية تحرر من هذا الاستعمار. أي أن الصهيونية ليست حركة كولونيالية في الماضي فحسب، بل هي كذلك اليوم، وتواصل من خلال تجسيدها إسرائيل ومنظماتها العالمية، ممارسة الاستعمار الكولونيالي، والتطهير العرقي، والفصل العنصري. وهذا الخطاب كان خطاب منظمة التحرير. تلك هي الثقافة السياسية التي كان ينشأ عليها النشطاء والقادة وعموم الشعب الفلسطيني، وهي الثقافة التي شكلت محركًا للنضال والمقاومة، وإعادة إنتاجها.

وفجأة في عام 1993، نتلقى صدمة أسوة بالشعب الفلسطيني، عنوانها اتفاق استسلام بين قيادة منظمة التحرير وإسرائيل، جرى التوصل إليه في العاصمة النرويجية أوسلو، من وراء الشعب الفلسطيني. وبغض النظر عن رداءة الظروف العالمية والعربية والفلسطينية، التي دفعت القيادة الفلسطينية إلى التوصل إلى هذا الاتفاق آنذاك، فإننا نحن في الحركة الوطنية داخل الخط الأخضر، تنظيمات وشخصيات، انتقدناه بشدة وأعلنا رفضه، وبادرنا إلى صوغ إجابة عمليه عليه، لحماية هويتنا الوطنية ولتطوير نضالنا اليومي والقومي.

  • لكن ما الذي كان بإمكانكم فعله؟ خاصة وأنكم تحملون المواطنة الإسرائيلية، كما أنكم لستم جزءًا فعليًا من منظمة التحرير، ولم تكونوا بطبيعة الحال، ولستم الآن أيضًا، شركاء في عملية صنع القرار الفلسطيني، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن معظم الفلسطينيين كانوا، أو ربما لا زالوا يشاركون في الحياة السياسية الإسرائيلية، من خلال الكنيست؟ ألم يكن محرجًا أن تظهروا أمام الإسرائيليين وكأنكم وقفتم ضد منظمة التحرير، وضد ما “حصلت” عليه في أريحا وقطاع غزة؟

طبعًا كان هذا الأمر صعبًا بالنسبة لنا كحركة وطنية، خاصة وأننا نعيش في واقع مركب تحت المواطنة الإسرائيلية، وهناك أُطر عربية كانت تشارك في الكنيست رحبت به. ولكن الخطورة في هذا الاتفاق ليست أنه تجاهلنا، وكرسنا شأنًا إسرائيليًا داخليًا فحسب، بل الأخطر هو الاعتراف بالصهيونية من خلال الاعتراف بإسرائيل، ودون حتى أن تعترف بالشعب الفلسطيني، ناهيك عن إدانة الاتفاق للنضال الفلسطيني واعتباره إرهابًا.

share

عوض عبد الفتاح: انتقالنا من مقاطعة الكنيست إلى المشاركة فيه كان انتقالاً إلى المواجهة الأيديولوجية والسياسية

لكن في نهاية المطاف أصبحنا أمام اتفاق أمر واقع، باعتراف رسمي من  منظمة التحرير، ومساندة دولية وعربية. هنا نشأت الحاجة لاجتراح معادلة سياسية غير تقليدية، تقوم على رفض الاعتراف بالصهيونية ومواصلة التصدي لها من داخل مؤسساتها، وعبر تحديها بشعار المساواة، الذي طرحناه كشعار لا يتحقق إلا بإلغاء يهودية الدولة. وقلنا إن يهودية الدولة التي أقامتها الحركة الصهيونية، تتناقض مع الديمقراطية التي تدعيها إسرائيل، ومع شعار المساواة. كنّا ندرك تمامًا أنه من خلال الانتقال من مقاطعة الكنيست، في حالة حركة أبناء البلد مثلًا، التي كنت نائب أمينها العام، إلى المشاركة فيه عبر هذه المعادلة الجديدة، سننتقل إلى المواجهة الأيدولوجية والسياسية، لأن الصهيونية كأيدولوجيا عنصرية اقتلاعية تتناقض مع المساواة.

وقد أبدع المفكر عزمي بشارة قائد الحزب وأحد أبرز مؤسسيه في هذه المواجهة، لما يمتلكه من معرفة فكرية وسياسية واسعة، ومهارة خطابية، فضلًا عن الجرأة، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى فبركة ملف أمني ضدّه (التعاون مع حزب الله أثناء العدوان الإسرائيلي عام 2006)، وهو ما انتهى به في المنفى. وكان لهذه المواجهة الأيدولوجية مع الصهيونية، والمعارك الشعبية الكثيرة التي خاصها الحزب، مساهمة نوعية  في نهوض وطني كبير، وتثقيف وطني وسياسي لأوساط واسعة من الناس وخاصة الشباب.

وتلافيًا للاصطدام مع الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج، التي قبلت بفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع، وحتى لا ينظر إلينا الناس كأننا حالمون، ونعاند الريح، وبهدف استقطاب واستنهاض أبناء شعبنا في الداخل  حول التمسك بهويتهم الوطنية، أجرينا تعديلًا على  شعارات أو صيغ “تحرير فلسطين”، و”الدولة الديمقراطية العلمانية في كل فلسطين”، فوصلنا إلى شعار تحويل إسرائيل إلى دولة المواطنين، والمساواة الكاملة، المدنية والقومية، بالإضافة إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الأراضي المحتلة عام 1967، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين. أي أننا استعملنا لغة حقوقية، كونية، تدعي إسرائيل أنها تستند إليها. ولكننا أشرنا في البرنامج السياسي، أننا نطمح إلى حل أكثر عدالة، ونقصد به الدولة الواحدة في كل فلسطين. بل من المهم أن أُوضح، أننا في حركة أبناء البلد تعاملنا مع دولة المواطنين داخل الخط الأخضر كمشروع اعتراضي، أي مشروع يعترض على مشاريع التسوية، إلى حين نشوء ظروف أفضل لاستئناف النضال التحرري الوطني والديمقراطي، إذ إن برنامج أبناء البلد، هو دولة ديمقراطية في فلسطين التاريخية.

أمّا بخصوص سؤالك عن العلاقة بين الطرحين، فقد فسرنا ذلك في التثقيف الحزبي والجماهيري، حيث إن تحقيق الشعارات الثلاثة؛ المساواة الكاملة لفلسطينيي الداخل، وتحقيق حق العودة، وإنهاء احتلال عام 1967، يعني تفكيك إسرائيل كنظام عنصري وكولونيالي. وبالمناسبة، فإنّ شعارات حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل BDS، مستمدة من هذه المعادلة الثلاثية.

share

عوض عبد الفتاح: تحقيق المساواة الكاملة لفلسطينيي الداخل، وتحقيق حق العودة، وإنهاء احتلال 67، يعني تفكيك إسرائيل كنظام عنصري وكولونيالي

من الضروري الإشارة إلى أن مجموعة كبيرة من حركة أبناء البلد، انسحبت بعد أشهر قليلة من المؤتمر الأول الذي عقد من أجل انتخاب هيئات مركزية، أي بعد انتخابات الكنيست الأولى، التي شارك فيها حزبنا الجديد. وكان ذلك الانسحاب على خلفية خلاف تنظيمي، وليس خلافًا أيدولوجيًا أو سياسيًا، فالحركة بكافة قياداتها وكوادرها، وفِي مقدمتهم أمين عام الحركة الرفيق رجا إغبارية شاركوا في الحملة وفِي التصويت، ولكن غالبية أعضائها، وأنا أحدهم، رأينا أهمية بقائنا ومشاركتنا، مع زملائنا الآخرين في بناء حركة وطنية جماهيرية واسعة ومؤثرة.

كما أنه في عام 1999، وعشية انتخابات الكنيست، جاء وفد برئاسة رجا إغبارية للتفاوض حول العودة إلى التجمع، غير أن الاتصالات لم تثمر عن إعادة الصلة. وواصلت المجموعة المنسحبة العمل تحت اسم أبناء البلد، وتحت الشعار التاريخي الدولة الديمقراطية العلمانية، وعادت بعدها إلى موقفها الأصلي أي مقاطعة الكنيست. لكنها لم تتمكن من التوسع وعانت لفترة طويلة من توترات داخلية مزمنة. والحقيقة هي أن حركة أبناء البلد، لم تكن حتى في أوج تألقها حركة جماهيرية، بل كانت قوتها في الأساس في الجامعات الإسرائيلية وبشكل خاص منذ أواخر السبعينات وحتى أواخر التسعينات، وكان طابع نهجها صداميًا، ضد الأسرلة، وتميز كوادرها بروح كفاحية عالية. هذا بالإضافة إلى بعض الإنتاج الفكري الذي قدمه بعض قادتها.  

  • بالحديث عن المشاركة في الكنيست، فقد جرى خلال الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، نقاش واسع في الأوساط العربية حول جدوى هذه المشاركة، أو جدوى مقاطعة الانتخابات في نفس الوقت. وقد عبرت في أكثر من موضع، بأنك لن تصوت ولن تشارك في حملة الانتخابات، وأنك لم تعد تَرى أي فائدة في ذلك. كيف تقيّم هذا النقاش في ضوء هذا التاريخ، وفي سياق الدعوة إلى إنجاز دولة واحدة؟

صحيح هذا هو موقفي اليوم. ولكني كتبت أنني لن أدعو إلى المقاطعة، وبالفعل لم أكن جزءًا من أي حملة، لا المقاطعة ولا المشاركة. صحيح أنني أعفيت نفسي من عضوية الهيئات المركزية لحزب التجمع، منذ أكثر من عامين، فاتحًا المجال للأجيال الجديدة، ولأكون حُرًّا أكثر في نشاطي في حملة الدولة الواحدة، ولكنني ما زلت عضوًا فيه، ويهمني وضعه ومصيره وخروجه من الأزمة، لأن هذا الحزب هو الأقرب إلى التحول نحو الدولة الواحدة، رسميًا، وقد أسس بنية بشرية قواهما الشباب تحمل ثقافة وطنية تحررية، وثقافة سياسية ديمقراطية وإنسانية حديثة.

وأيضًا لأنه حزب جماهيري، رغم تراجعه، وليس حركة صغيرة. وأعتقد أنّ إقامة حزب التجمع في ظروف ما بعد أوسلو والانهيارت العربية والدولية، كان خطوة ثورية وجديدة على الساحة الفلسطينية عمومًا (أي أن تندمج مجموعة حركات وأطر وطنية في حزب واحد، وليس في جبهة). وكان ردًا سياسيًا وتنظيميًا وأيدولوجيًا قويًا ومتطورًا على كارثة أوسلو، لأن هذا الحزب صمم على مواصلة التصدي للصهيونية، وتعبئة فلسطينيي الـ 48، وتطوير الخطاب السياسي، بل ساهم من خلال التنافس معه، في إعادة العافية إلى الأحزاب والحركات الفلسطينية الأخرى سواء التي تشارك في الكنيست أو التي تقاطعه. 

وكان من علامات قوة الخطاب المتصادم مع يهودية الدولة أنه استنفر النخب الصهيونية الليبرالية الحاكمة والمعارضة، وراحت تتصدى له وتحرض عليه، وتُخضع الحزب وقائده عزمي بشارة لمحاولات شطب متكررة ومحاكمات استمرت حتى عام 2007، وهو تاريخ اضطرار بشارة للخروج إلى المنفى. كما لاحقت وضيّقت على مئات الكوادر، خاصة الشباب والصبايا، على شكل تحقيق واعتقال، وقد تفولذ في صفوفه وعلى مدار عقدين كادرات شبابية مناضلة ومثقفة. 

share

عوض عبد الفتاح: حان الوقت لتطوير برنامج التجمع وربطه بصورة صريحة وواضحة بخيار الدولة الواحدة

ولكن حان الوقت لتطوير برنامج التجمع وربطه بصورة صريحة وواضحة بخيار الدولة الواحدة، مع ما يترتب على ذلك من تغيير في المفردات واللغة والجوهر، وخطوات تنظيمية وعملية. لا شك أن الحزب يحتاج الى إصلاح تنظيمي، وتطوير نهجه الجماهيري ليكون مواكبًا للتحولات الاجتماعية العميقة التي يشهدها مجتمعنا. وهذا ينطبق على جميع الاحزاب والحركات، كبيرة وصغيرة.

  • إن كان بالإمكان أن تكون أكثر تحديدًا، ماذا يعني نموذج الدولة الواحدة بالمقارنة مع “دولة لجميع مواطنيها” الذي كان جزءًا من تصورات عزمي بشارة وحزب التجمع؟ 

فكرة الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين ليست جديدة. كانت حاضرة في طرح الحركة الوطنية الفلسطينية قبل النكبة، وتجددت مع إعادة بناء الحركة الوطنية بعد النكبة وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن المنظمة ولأسباب كثيرة راحت تتراجع عنها بعد سنوات قليلة تدريجيًا، مرورًا بالهدف المرحلي، أي إقامة الدولة في الضفة والقطاع، وصولًا إلى كارثة أوسلو – نظام المعازل الشبيه بنظام البانتوستان البائد في جنوب أفريقيا. 

أما بخصوص الفرق، فإن مشروع التجمع ينص على طرح المواطنة الكاملة من خلال طرح تحويل إسرائيل إلى دولة المواطنين، أي دولة مساواة وليس دولة يهودية عنصرية، في حدود عام 1948، مع الاحتفاظ ضمنًا بالدولة الديمقراطية الواحدة في كل فلسطين التاريخية. وأقصد بضمنًا أن طرح شعار المساواة يتناقض مبدئيًا، ونظريًا، مع يهودية الدولة، وبالتالي فإن تحقيق المساواة يعني بالضرورة إنهاء إسرائيل كنظام عرقي، عنصري. 

share

عوض عبد الفتاح: مشروع التجمع ينص على طرح المواطنة الكاملة من خلال طرح تحويل إسرائيل إلى دولة المواطنين، أي دولة مساواة وليس دولة يهودية عنصرية

قد يكون هذا الأمر عصيًا على فهم المواطن العادي خاصة في العالم العربي، لأنه لا يعيش تعقيدات وضع فلسطينيي الـ48، إذ إن العيش الطويل تحت حكم دولة إسرائيل، كمواطنين بسبب غياب انتصار عربي مبكر، ومن خلال هدم البنية الاقتصادية الاجتماعية التقليدية الفلسطينية، وبالتالي الاعتماد شبه الكلي على المؤسسات الإسرائيلية، أنتج أنماط سلوك مختلفة عند الفلسطيني حامل المواطنة الإسرائيلية ، تحمل تناقضات كبيرة، ولكن هذه التناقضات هي نتاج تناقضات الواقع الذي خلقته إسرائيل. وأعترف، أننا في حركة أبناء البلد آنذاك، أي حتى أواخر الثمانينات، لم نلاحظ أن أنماط السلوك هذه نابعة من هذه التحولات القسرية، ولم تنبع من رغبة الناس في التكيف مع الواقع الجديد. فمنذ أواخر السبعينات بدأت شرائح اجتماعية ناشئة، برجوازية وطنية صغيرة، تتعامل مع المواطنة بجدية وتسعى إلى الحصول على منافعها. وتبين أن مواصلة تجاهل أو جهل تأثير الخلفيات الاجتماعية الاقتصادية على سلوكيات الناس، يؤدي إلى عزلة الحركة الوطنية عن الناس. إذ لا تستطيع أن تتهم جميع الناس بأنهم منحرفون وطنيًا لأنهم يسعون إلى تحصيل حقوقهم اليومية. ولكن السؤال هو  كيف يحصل المواطن الفلسطيني في إسرائيل على حقوقه دون أن يتنازل عن هويته، وعن التزامه بالنضال ضد الصهيونية، ومن أجل حقوق جميع أبناء شعبه. وهذا السؤال هو الذي شغل كل القوميين في الداخل. هذا ما توجب علينا الإجابة عليه في حينه، من خلال تحويل التناقضات إلى عامل بناء وليس عامل هدم لهويتنا، ومن خلال تأسيس مرجعية وطنية أخلاقية توجه السلوك السياسي للفرد لتفادي الأسرلة السياسة.

والحقيقة أنه قبل البدء في الاجتماعات التأسيسية لحزب التجمع، دار نقاشٌ شديدٌ ومكثفٌ داخل حركة أبناء البلد حول كيفية التوصل إلى صيغة وطنية فاعلة، متطورة وذكية، تسمح بتوسيع دورها ودور كل الوطنيين، في الحفاظ على هوية شعبنا في الداخل، وفي الوقت ذاته الاعتناء بهمومه، وليس الاستخفاف بها والتعامل معها وكأنها تافهة مقارنة بهدف تحرير فلسطين. وأيضًا تركز نقاشنا في كيفية عدم تكرير تجربة الحزب الشيوعي، أي اعترافه بإسرائيل، كدولة يهودية، ودخوله الكنيست بعد النكبة مباشرة، وهي تجربة حملت في أحد جوانبها تشوهات، كنّا أطلقنا عليها الأسرلة. 

وتتوج النقاش داخل حركة أبناء البلد ومع الحلفاء الآخرين، خاصة الدكتور عزمي بشارة، صاحب الإسهامات الفكرية والسياسية والشعبية الهامة في فهم تناقضات واقعنا، وآخرين في حركة ميثاق المساواة، وكذلك محمد ميعاري رئيس الحركة التقدمية، في تبني برنامج دولة المواطنين، وفي قرار مشاركة الحزب الجديد في الكنيست. وكان أحد أهم أهداف الحزب هو التواصل مع أبناء شعبنا داخل الخط الخضر، والقضاء على موجة الأسرلة المخيفة التي بدأت بتأثير أوسلو، إذ إن فئات واسعة من الناس الذين كانوا تعوّدواعلى التصويت والمشاركة في الكنيست، ظنّوا أن السلام والمساواة قادمين، فازدادت عندهم مظاهر الأسرلة وتجلى ذلك رمزيًا من خلال رفع الأعلام الإسرائيلية على سياراتهم. كان الهدف أيضًا تحريض الناس على مقاومة التمييز، وعلى التمسك بالهوية الوطنية  وعلى النضال ضد نظام التمييز والنهب والمصادرة. 

وقد عقد المؤتمر التأسيسي الأول لحزب التجمع، بعد عامين من التحضيرات والعمل المضني، عام 1995، أما مؤتمر انتخاب أعضاء الكنيست فقد عقد عام  1996، وجرى فيه التوافق على الدكتور عزمي بشارة كمرشح أول، ولاحقًا رئيسًا للحزب، وقائدًا أول. ورغم أن هناك من يعتقد خطأ أن التجمع ولد في مؤتمر انتخاب أعضاء الكنيست، في مدينة أم الفحم، فإنه وُلد بل قبل ذلك بعامين، في مؤتمر الناصرة.

  • لكن من الواضح أن ما تصرح به مؤخرًا، مثل الدعوة إلى الدولة الواحدة وإعادة النظر في المشاركة في الكنيست، ليس موقف التجمع الرسمي. هل تفسر لنا الأمر؟ ماذا يحدث داخل التجمع وهل هناك نقاش جارٍ بهذا الخصوص؟ 

التجمّع هو الحزب الأهم الذي شهدت ولادته وتطوره  ساحة الأرض المحتلة عام 1984، خلال الثلاثين عامًا. بل يمكن القول إن تأثير الثقافة السياسية والفكرية التي ولّدها تجاوزت هذه الساحة. الحقيقة أن النقاش بخصوص الدولة الواحدة، بدأ منذ عام 2009 وكتبتُ ورقة مطولة حول ذلك، تم تحويلها إلى كتيب لاحقًا، حول مسألتين؛ الأولى  تطوير برنامج الحزب وأن يصبح مطلب دولة المواطنين على كل فلسطين التاريخية، والثاني إعادة النظر في المشاركة في الكنيست. وهذا النقاش استند إلى منطلقات التجمع الأولى، ومفهومه لدولة المواطنين، وللصهيونية ، وكذلك إلى التحولات العميقة والخطيرة التي بدأت تتسارع في بنية المشروع الصهيوني الكولونيالي. بخصوص المسألة الأولى، باتت الحلقة داخل الكنيست وخارجه تضيق حول رقبة التجمع، في محاولة لخنقه، وتصويره كحزب متطرف، يسعى إلى استخدام الديمقراطية الإسرائيلية لتفكيك إسرائيل من الداخل، ويدعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية ضد إسرائيل.

وكان الهدف من حملة التحريض هذه تخويف الناس من الحزب ومن خطابه، والحد من تأثيره تمهيدًا لضربه كليًا. صحيح أن حملات التحريض حققت بعض النجاحات، لكنها فشلت في إزاحته عن الساحة السياسية. وليس بالإمكان قانونيًا، على ما يبدو، إخراجه عن القانون، إلا إذا لجأت إسرائيل إلى إجراءات إدارية لحظره، كما فعلت مع الحركة الإسلامية الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح، وهي حركة اجتماعية سياسية هامة حاولت أن تقدم مشروع الاعتماد على الذات.

share

عوض عبد الفتاح: حملات التحريض الإسرائيلي ضد التجمع حققت بعض النجاحات، لكنها فشلت في إزاحته عن الساحة السياسية

أمّا المسألة الثانية، فتتمثل في  تعمق المشروع الكولونيالي العنصري في الضفة والقطاع والقدس، وفِي كل فلسطين، وتشديد الحصار على قطاع غزة. وهكذا بات واضحًا أن كل الشعب الفلسطيني، يعيش تحت منظومة قهر واحدة، بأنظمة ضبط وسيطرة مختلفة، هو نظام فصل عنصري كولونيالي وإحلالي. وجاء قانون القومية الصيف الماضي ليشير إلى هذا الواقع، وكذلك نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة، التي أظهرت تماهي الدولة والمجتمع الاستيطاني، في النظرة والممارسة الكولونيليتين، مما يستوجب العودة الى أصول الصراع الأولى، وإلى حل الدولة الوحدة التي تستعيد وحدة الشعب وروايته، ومصدر قوته الأساسية، وتنصف كافة تجمعاته وأولها اللاجئون.

  • لكن علينا الإشارة أن حل الدولة الواحدة اليوم، يحمل معانيًا متعددة ومتناقضة ربما. كما تعرف فإن اليمين الإسرائيلي يروج له باعتباره أحد أشكال الضم، وتأسيس دولة “إسرائيل الكبرى”، أما ما يسمى باليسار الإسرائيلي، فإنه لا ينفك يعبر عن نفوره من هذا الحل، لأنه قد ينهي إمكانية تحقيق دولة يهودية وديمقراطية في نفس الوقت. كيف ترى النموذج الذي تدعو إليه في خضم هذا التناقض؟ 

كل الصيغ التي يطرحها اليمين الصهيوني الجديد والقديم، أو التي يكرسها حاليًا، حتى تلك التي تطرحها شخصيات من الليكود المحسوبة على مدرسة جابوتنسكي، أي حق التصويت لأهالي الضفة، دون غزة، وكذلك ما كان يسمى معسكر حزب العمل أو السلام، تلتقي في نقطة واحدة: سيطرة أمنية كاملة على فلسطين التاريخية بدون أي شكل من أشكال السيادة الحقيقية على أي جزء من فلسطين. 

إن معسكر اليمين الوسط والذي تعود أصوله إلى حركة العمل (مباي)، يريد انفصالًا عن الفلسطينيين، خلف الجدار، ولكن مع بقاء السيطرة على الحدود والجو والمعابر. باختصار، ما كان غير مصرح به ومعترف به رسميًا، كواقع وكسياسة مرسومة، هو اليوم واقعٌ أو نظام أبارتهايد كولونيالي، متوحش يواصل تنفيذ سياسات التطهير العرقي، في كل فلسطين التاريخية. المشروع الذي يتحدث عنه الفلسطينيون المنادون بالدولة الواحدة، هو دولة ديمقراطية علميانية غير عنصرية ، تقوم على أنقاض هذا النظام، وكل أشكال الهيمنة والقمع.

  • مع ذلك، علينا أن نعترف ربما أن حل الدولة الواحدة باعتباره نموذجًا لتفكيك الاستعمار وتحقيق المساواة الشاملة بين الفلسطينيين واليهود، بحاجة إلى شريك إسرائيلي، وأن هذه الحاجة تستدعي الإجابة على أسئلة عديدة. كيف يمكن توجيه خطاب على هذا النحو للإسرائيليين بدون الوقوع في مآزق التطبيع؟ 

أعتقد أننا قبل التوجه إلى الإسرائيليين، نحتاج إلى التوجه إلى شعبنا وخاصة النخب الثقافية والسياسية والنشطاء، الذين لا يزال أغلبهم إما متمسكًا بحل الدولتين، أو تائهًا بعد أن سقط هذا الوهم صريعًا على يد إسرائيل، ومترددًا إزاء الخيارات البديلة.  والحقيقة، وهذا ما ألمسه من لقاءاتي في الصفة الغربية، أنه حتى  الكثيرين مما لا يزالون يرددون على ألسنتهم شعار الدولتين، باتوا يكررونها دون الاقتناع بإمكانية تحقيقها وأحيانًا بخجل. وأرى أن استمرار التعلق بهذا الوهم، معناه خسائر فادحة إضافية، لأنه يعني استمرار ضياع الرؤية والهدف الواضح ، وتعطيل للنضال، وترسيخ حالة الترهل الشعبي، وتكريس التبعية الاقتصادية والأمنية بالمستعمر، وهي تبعية تهدم القدرة الفلسطينية على التغيير.

  • لكن ماذا بعد ذلك؟ يبدو أن معظم المنادين بهذا التصور، يخاطبون نوعًا محددًا من الإسرائيليين، أي تلك الأقلية المناهضة للاستعمار. فما جدوى مخاطبة من هم أصلًا في صفك؟ أليس حريًا بمن يدعو إلى حل عادل للجميع أن يحاول استقطاب شرائح جديدة من الإسرائيليين؟ 

 نعم، هناك من ينطلق في دعوته للدولة الواحدة من قاعدة الافتراض أننا هزمنا، وبالتالي يطرح على إسرائيل مطلب المساواة، أي أن يطالب الفلسطينيون في الضفة والقطاع بالمواطنة المتساوية.

share

عوض عبد الفتاح: حل الدولة الواحدة ليس حلاً للتفاوض، هو برنامج كفاحي في مواجهة الصهيونية ونظامها العنصري الاستعماري

ولكن حل الدولة الواحدة ليس حلًا للتفاوض، هو برنامج كفاحي، في مواجهة الصهيونية ونظامها العنصري الاستعماري، يشترط أولًا صياغة رؤية وطنية تحررية، تجمع الشعب الفلسطيني حولها، كما جمعت رؤية منظمة التحرير التحررية شعب فلسطين منذ أواخر الستينات حتى أوائل الثمانينات. ولكن من خلال تطويرالرؤية وتحديثها، وتحديد مضامينها الاجتماعية والإنسانية استنادًا إلى خطاب أخلاقي  يقوم على تحرير الفلسطينيين من السيطرة الاستعمارية، وتحرير اليهود من الصهيونية. وهو خطاب يستطيع أن يجمع الفلسطينيين، ويأسر خيال العالم، ويخترق شرائح داخل المجتمع الإسرائيلي.

ما أريد قوله، إنه ليس الإقناع الذي سيغير المجتمع الإسرائيلي إنما النضال، ومن خلال نجاح الشعب الفلسطيني باستعادة عوامل قوته؛ وحدته الاجتماعية والوطنية، وعدالة قضيته، وخطابه الأخلاقي. على قاعدة هذه القوة يخوض الشعب الفلسطيني بقيادة قوية وحكيمة وشجاعة نضاله، بالتعاون مع الشخصيات والنشطاء والمجموعات الإسرائيلية المناهضة للاستعمار والعنصرية، بغض النظر عن حجمها. حين تَحقَّق انتصار جنوب أفريقيا، كان لا يزال غالبية البيض متمسكين بعنصريتهم، ولكن النضال الجسور الذي خاضه السود، مسلحين بخطاب أخلاقي في الميدان، وعلى الساحة الدولية، أدى إلى عزل نظام الأبارتهايد دوليًا؛ اقتصاديًا وسياسيًا، وأفقده القدرة على الاستمرار في حكم البلاد.

  • نجاح متصاعد لليمين الإسرائيلي، سنة بعد أخرى، بالإضافة إلى ظرف إقليمي يدفع باتجاه تسوية قسرية للصراع العربي الإسرائيلي، وتطبيع عربي غير مسبوق بهذه الصورة. ألا يجعل كل ذلك الدعوة إلى دولة واحدة نوعًا من اليوتوبيا؟

نعم. كل هذه التطورات مرعبة، وتبعث على الإحباط والشعور بالمرارة الشديدة، يدفع ثمنها شعبنا الفلسطيني، والشعوب العربية قاطبة، التي تدفع الغالي والرخيص من أجل أن تحيا بحرية وكرامة. وقد نكون ما زلنا في البدايات، وأنّ القادم أعظم. ولكن من ناحية أخرى، يشكل كل هذا الظلم  دافعًا على المقاومة والرفض. لا الإنسان الفلسطيني سيقبل الاستمرار مقهورًا تحت الاستعمار الصهيوني، ولا الإنسان العربي سيقبل العيش تحت حكم أنظمة دموية، وهيمنة خارجية. ونرى شعبنا في فلسطين التاريخية، رغم تغول الاستعمار ووحشيته، ورغم كارثة الانقسام، متمسك بوطنه، ومتمسك بإرادته من أجل حاضرأفضل، ومستقبلٍ مختلف، وانظر إلى أسرى الحرية في سجون الصهيونية، يقاتلون بأجسادهم، من خلال الإضراب عن الطعام.

ولنتذكر الانتفاضات في القدس وغيرها، ولننظر إلى مسيرات العودة في قطاع غزة وإلى منجزات حركة المقاطعة الباهرة. وانظر إلى ثورة الجزائريين والسودانيين، الذين لم تردعهم فزاعات أنظمة الثورات المضادة التي أعملت الذبح بشعوبها. لقد أعادوا بعض الأمل إل ملايين الشباب العربي بما فيه الفلسطيني، الذين سحقت أحلامهم بالحرية والحياة أنظمة الطغيان. كل ما يحتاجه شعبنا وشعوبنا، قيادة على قدر أحلاهمها وطموحاتها. وبتقديري ستفرز هذه الانتفاضات، والثورات قيادات مختلفة. هي مسألة وقت لا أكثر. كما أن شعبنا الفلسطيني لن يبقى مرهونًا لقيادة فاشلة ومتصارعة على سلطة تحت الاستعمار.

  • لكن دعنا نعود إلى تجربة تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، حيث تقول هذه التجرية أشياء كثيرة عن إمكانية تحقيق نموذج الدولة الواحدة لحل الصراع العربي الإسرائيلي. كما تعرف، فإن الامتياز التاريخي الذي حظيت به الأقلية البيضاء هناك كان عصيًا على التفكيك، وهو امتياز ما زال قائمًا إلى الآن. ألا يعني هذا الفشل النسبي شيئًا بالنسبة لدعاة حل الدولة الواحدة فلسطينيًا؟

تجربة نموذج أفريقيا هي نمودج مُلهم للمنادين بالدولة الواحدة ولجميع الأحرار في العالم. تجربة كفاحية ناجحة، أسقطت نظام الأبارتهايد، ومنظومة الفصل العنصري والقمع والقتل والتعذيب. وأظهرت أنه بالإمكان أن يعيش المستوطنون البيض، أو نسلهم مع السكان الأصليين، بعد تفكيك منظومة الأبرتهايد والاستعمار، وأن لا يحصل انتقام بعد التحرر.

share

عوض عبد الفتاح: هناك أوجه اختلاف بين الاستعمار في جنوب أفريقيا والاستعمار الصهيوني في فلسطين لا بد من إدراكها، حتى لا نقع في شرك النسخ

في الوقت ذاته نحن ندرك أنه رغم أوجه الشبه بين تجربة الاستعمار في جنوب أفريقيا، وتجربة الاستعمار الصهيوني الأكثر وحشية في فلسطين، فإن هناك أوجه اختلاف لا بد من إدراكها، حتى لا نقع في شرك النسخ، بل من أجل أن نبدع ونبتكر حلولًا لتناول أوجه الاختلاف هذه في فلسطين.

نحن ندرك أن الابرتهايد السياسي في جنوب أفريقيا سقط، ولكن الأبرتهايد الاقتصادي لا يزال قائمًا، وأنه نتيجة ذلك، أي نتيجة قبول النموذج النيولبرالي في الاقتصاد بدل النموذج الاشتراكي أو العدالة الاجتماعية، تتسع الفجوة الطبقية بصورة حادة، مما يهدد السلم الداخلي. وهناك بالطبع قوى سياسية ونقابات عمالية تخوض نضالًا اجتماعيًا من أجل الإصلاح وتحقيق العدالة الاجتماعية، وكل ذلك يحصل سلميًا تحت حماية القانون أو الدستور. رغم هذا الغبن الاقتصادي، فلا تجد مواطنًا أسود واحدًا يقول لنعد إلى الأبرتهايد، بل ينخرطون في نضال سلمي من أجل التغيير والتطوير.  

  • في دراسة نُشرت بالإنكليزية بعنوان “نموذجين لحل الدولة الواحدة”، تبين هنيدة غانم أن المطالبات بهذا الحل فلسطينيًا في هذه الأيام مختلفة عما تم طرحه من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بعد فترة من تأسيسها. ففي حين كان حل منظمة التحرير، ينطلق من مقاربة أخلاقية شاملة للصراع، فإن نموذج الدولة الواحدة اليوم، يجيء كأنه ردة فعل على فشل حل الدولتين، أو كاستجابة لظروف جديدة في الواقع السياسي. هل تتفق؟

اعتقد أني أجبت على هذا السؤال، وذكرت المنطلقات المختلفة وراء الحراك من أجل تعميم فكرة الدولة الواحدة. نحن في مبادرتنا “حملة الدولة الديمقراطية الواحدة” ننطلق أساسًا من كون هذا الحل هو الحل العادل وهو الذي يحقق عدالة نسبية، وينصف جميع تجمعات الشعب الفلسطيني، وأوّلهم اللاجئون وغالبية المبادرين كانوا دائمًا مع حل الدولة الواحدة. ولكن بلا شك، فإن انتعاش الفكرة مجددًا، وظهور مبادرات جديدة جاء بعد أن سقط حل الدولتين. فالوهم الذي كان قائما تحت مظلة عملية السلام  وحل الدولتين والمفاوضات منذ ثلاثة عقود، كان أغلق الطريق أمام العودة إلى التداول بهذا الحل، بل حتى مجرد التفكير به، والآن فُتحت الطريق أمام هذا المشروع، وهذا يسمح بإطلاق الخيال، وإطلاق طاقات الشعب الفلسطيني.

ولكنّه ليس حلًا  قريبًا، وليس الطريق إليه سهلًا، بل سيحتاج إلى سنوات طويلة من الكفاح والتضحيات، وسيتحمل الجيل الفلسطيني الشاب المسؤولية عن مهمة خلق الجبهة الوطنية الديمقراطية العريضة، التي ستكون عنوانًا لشعب فلسطين، ولليهود المناهضين لنظام الأبرتهايد والصهيونيه، فهذا مشروعهم التاريخي، وهم الذين سينعمون به. ونحن في “حملة الدولة الديمقراطية  الواحدة”  لسنا ألا جزءًا بسيطًا من أُطر عديدة، ومجموعات أكاديمية ومثقفة، فلسطينية في الداخل والخارج، تنشط حول رؤية الدولة الواحدة وما نأمله هو أن نتمكن من العمل المشترك والاتحاد في جبهة واحدة.

يجب أن يصبح العمل من أجل هذا الحل، طريق حياة، تبدأ ببرامج حقيقية وواسعة لاسترداد الرواية الفلسطينية، وبوحدة شعب فلسطين، وبوحدة الجغرافية الفلسطينية، وبناء الأطر والمؤسسات وإعادة ترتيب المؤسسات القائمة في كل أماكن تجمعات الشعب الفلسطيني، بهدف إنتاج ثقافة سياسة جديدة، ثقافة التحرر والمقاومة والعدالة والمساواة، وثقافة ديمقراطية ليبرالية حقيقية، تُمهد لإحياء المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، نحو دولة ديمقراطية يعيش فيها الفلسطينيون واليهود الاسرائيليون، بمساواة تامة، على أنقاض الاستعمار والفصل العنصري. تحتاج الأجيال إلى خطاب أمل، وطريق آمن.