محمد الحلو
بعد سقوط برنامج “دولتين لشعبين” العنصري، وترسخ المشروع الإستعمار الاستيطاني التصفوي، ألم يحن الوقت لمراجعة الاستراتيجية الفلسطينية والقطع مع الماضي، وإعادة ترتيب الأولويات بحيث يصبح حق العودة هو الشعار المركزي بدل شعار الاستقلال، واستعادة فلسطين بدلاً من إقامة دولة على حدود الرابع من حزيران، على ٢٢٪ من فلسطين، بشعار دولة واحدة ديمقراطية على كل فلسطين، تنهي التشرذم وعقلية التقسيم، والاجندات المتضاربة، وتنصف كل تجمعات شعبنا الفلسطيني !
فمتى نتوقف عن البحث في الهوامش عوضاً عن الذهاب إلى المتن. ففيما نحن نبدد الوقت، ونستنزف طاقاتنا، ونتكبد خسائر فادحة، ونتأخر في البحث عن إستراتيجية ما بعد سقوط شعار “دولتين لشعبين”، فإنّ أوساط الكيان الاستعماري الاستيطاني تبحث كذلك بالسيناريوهات التي تحول دون إقامة دولة ديمقراطية واحدة، بل تمارس سياسات وخططاً تستهدف تكريس سيطرتها الأبدية على وطننا من البحر الى النهر، ظنا منها انها بذلك تنهي المواجهة بنصر نهائي على شعب فلسطين، وتصفي حقوقه المشروعة، وهو وهمٌ كبير. وعلى الطاولة مطروح ثلاثة سيناريوهات كلها تلتقي على هدف الإبقاء على مشروع الهيمنة والتفوق، وتكييفه بمعطيات جديدة.
السيناريو الأول، وهو ما يلوح به اليمين الصهيوني، و يضم اكثر من ٦٥٪ من أراضي الضفة الفلسطينية، وإعطاء السكان الفلسطينيين المتبقين بهذه المناطق، وحسب التقديرات لا يزيدوا عن ٥٪ من مجموع سكان الضفة، حقوق مدنية مساوية للحقوق المدنية للفلسطينيين في القدس وفلسطين المحتلة منذ عام ١٩٤٨. وفي هذا السيناريو لا مكان لقطاع غزة او للمفاوضات بل التنفيذ سيكون بفرض الأمر الواقع تماماً كما جرى الامر في هذا القطاع، وحينها يترك الخيار للسلطة الفلسطينية لإدارة هذا الشتات، تحت الهيمنة الإسرائيلية، وان لها أن تطلق عليه ما تراه مناسبا من أسماء؛ دوله او امبراطورية أو اى شيء آخر.
و لقطاع غزة، يُحضّر اليمين الصهيوني لخيارين إستمراراً لشن الحروب كل سنة أو إثنتين، عقد هدنة طويلة تمنع اي مقاومة وتخفف من قبضة الاحتلال بفتح ميناء ومطار تحت السيطرة والتحكم والمراقبة الاستعمارية الصهيونية المباشرة او بالإنابة من خلال الأوروبيين او غيرهم، ولا مانع لديهم أن يصبح قطاع غزة إمارة خالصة لحركة حماس تعوضها عن خسائرها بمصر وغيرها، بعد الانقضاض على الثورات، خصوصا بعد ان تم اختبار الاخوان المسلمين. في مصر وغيرها بتفاهمات سابقة مع الولايات المتحدة، وربما قطر وتركيا كانتا جاهزتين لرعاية هذه الترتيبات.
السيناريو الثاني : ويطرحه الجناح الليبرالي الصهيوني، وهو متقدم بطبيعة الحال عن السيناريو الأول، الذي يدعو الى دولتين “بوطن واحد ” أو فضاء واحد. يكمن جوهر المشروع في إعادة توزيع السكان دون تحريكهم من مواقعهم، بحيث يبقى المستوطنون في مستوطناتهم ويصبحون سكاناً في الدولة الفلسطينية لكنهم مواطنين في دولة الكيان الاستعماري الصهيوني، بالمقابل يتم سحب مواطنة الفلسطينيين المقيمين ببلادهم منذ النكبة ويصبحون مقيمين في الكيان الاستعماري الصهيوني ومواطنين في الدولة الفلسطينية، مقابل ذلك يسمح بالتنقل للجميع بالاتجاهين، ويشمل عودة اللاجئين بعدد محدود لا يزيد عن عدد المستوطنين الذين سيعودون للكيان الاستعماري الصهيوني بسبب وجودهم بمستوطنات تعرفها دولة الاستعمار بأنها غير قانونية، وحتى هذا العدد الرمزي من الفلسطينيين العائدين يصبحون سكاناً في بلادهم لكنهم مواطني الدولة الفلسطينية ، وغزة، هنا،لا مكان لها بهذه الترتيبات.
السيناريو الثالث : ويطرحه أوساط قريبة من حزب العمل الصهيوني، تدعو الى أقام دوله “ديمقراطية ” فدرالية مكونة من ٢٦ كانتونا ١٨ كانتونا لسكان دولة الاستعمار الصهيوني بينها كانتون للمهاجرين الروس المسيحيين والذين يبلغ عددهم اليوم ٣٥٠ الف مهاجر ، و٨ كانتونات للفلسطينيين؛ ٤ كانتونات على كل جانب من الخط الاخضر ؛ كانتون للفلسطينيين السنة، وآخر للمسيحيين وآخر للدروز ورابع للبدو، وأربع كانتونات للفلسطينيين في الضفة بما فيها القدس. ويجري تشكيل برلمان لكل هذه الكانتونات يضم ٨٥ من اليهود ٣٥ من الفلسطينيين، ومجلس برلمان أعلى من ٥٢ ممثل لكل كانتون اثنين لتقرير السياسات العليا. وفي هذا السيناريو لا مكان لغزة ولا مكان للاجئين الذين يقع حل مشكلتهم على عاتق الدول التي تستضيفهم.
في المقابل فان حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية، يسعى إلى تفكيك نظام الابارتهايد الاستعماري الاستيطاني، وكل بنى الهيمنة والسيطرة، كشرط لاقامة العدالة والانصاف، من خلال إقامة ديمقراطية دستورية تضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين، ونسلهم، إلى ديارهم والعيش المشترك على قدم المساواة مع اليهود الإسرائيليين. ويشكل هذا الطرح إحياء للمشروع الوطني الفلسطيني التحرري الأصيل الذي حمل إسم الدولة الدولة الديمقراطية العلمانية حتى أواسط السبعينات، ألذي تخلت عنه منظمة التحرير الفلسطينية، تحت الضغوط الدولية، لصالح ما أصبح يعرف بالحل المرحلي، او النقاط العشر. كما هو أيضاً، مستوحى من التجربة النضالية الباسلة لجنوب افريقيا، التي اسقطت الابرتهايد السياسي في الوقت الذي أقدمت، وللأسف، القيادة الفلسطينية على التوقيع على اتفاق انتج نظاماً ثبت بالملموس انه من نفس عائلة النظام الذي سقط لي جنوب أفريقيا تحت اقدام البواسل من السكان الأصليين هناك، بقيادة حركة التحرر ، التي قادها المؤتمر الوطني الديمقراطي .
لم يعد نموذج “حل الدولتين” هو الطاغي على النقاش في الساحة الفلسطينية، كما كان حتى سنوات خلت، بل نموذج حل الدولة الواحدة، الذي يكتسب زخما متواصلا وإن بمضامين مختلفة. فقد إنتقل النقاش، من الفكرة إلى ساحة العمل، حيث ينشغل الداعون إلى الدولة الواحدة في جهد يسعى لتوحيد صفوفهم وخبراتهم، من حيفا وغزة والقدس ورام الله، ونابلس، والخليل ونابلس، ومخيمات الأردن وسوريا، ولبنان، والشتات المنتشر خارج الوطن العربي، مثل أوروبا والامريكيتين، وبتنا نعمل سوية في حملة واحدة، تسعى إلى التطور نحو حركة شعبية عابرة للتجمعات الفلسطينية. انه طريق طويل، وزاخر بالتحديات، والاعباء، ولكنه مفعم بالأمل ومشحون بالارادة، والتوق لحياة حرة كريمة، لنا وللأجيال الجديدة.
- عضو الهيئة العليا لحملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية