في الذكرى الثانية والسبعين للنكبة: لندفن الأوهام ولننهض مجددا
لم يتوقف المشروع الصهيوني عن القتل والتوسع والتطهير العرقي منذ ٧٢ عاماً، أي حتى بعد أن تحول إلى دولة معترفٍ بها من منظمة الامم المتحدة عام 1948. فالاستعمار الاستيطاني ” ليس حدثاً، بل بنية ” على حدّ تعبير باتريك وولف، عالم الاجتماع الأسترالي، والمشروع الاستيطاني، أساساً، هو مشروع عنيف وإجرامي. وهذا ما يفسر سلوك الكيان الإسرائيلي، كتغييب أصحاب الوطن، ورفضه لكل عروض السلام، باعتباره مجموعة من البنى السياسية والعسكرية والأمنية والقضائية المصممة، مسبقاً، لتنفيذ مخططات النهب والإبادة الاجتماعية، عبر التحايل على القانون الدولي، الذي قامت إسرائيل على أساسه.
ومنذ ذلك الحين تحل ذكرى النكبة، وقد وجد الفلسطينيون أنفسهم أمام توسعٍ كولونيالي زاحف، يمزق الجغرافيا االفلسطينية، ويعزل الناس عن بعضهم البعض، عبر الجدران والقلاع الاستيطانية وشبكات الطرق ألإلتفافية الضخمة، تغلفه حكومة الإستعمار عادة بدواعي أمنية وغيرها. غير أن الأعوام الأخيرة تشهد تحوّل عدوانية الكيان إلى سياسة رسمية صريحة، مُقَوننه ( قانون القومية) ومدعومة بالقوة الامبريالية الكبرى، الولايات المتحدة الامريكية، وبتواطؤ المجتمع الدولي وبخيانة أنظمة عربية علنية، وعجز أنظمة أخرى، حوّلت مدافعها إلى شعوبها بدل القيام بتحصين دولها ومجتمعاتها، ومواجهة الاستعمار في فلسطين والوطن العربي كله. ولم يعد نظام الأبرتهايد الكولونيالي، يُخفِ ممارساته ونواياه التوسعية الحقيقية، وذلك عبر الاستقواء بالبيئة الدولية والعربية، والتحولات الداخلية في المجتمع الاستيطاني الصهيوني ونخبه.
قاتل الشعب الفلسطيني ببسالة دفاعا عن نفسه، وقاوم هذا المشروع الكولونيالي منذ بداياته، بكل السبل الممكنة، وقدم تضحيات لا حدود لها، ولم يتوقف عن الرفض للظلم، والسعي من أجل التحرر والحرية والحياة الكريمة. وبنى مؤسسات وتنظيمات وحركات سياسية ووطنية، بلورت هويته الوطنية، وصولا الى بناء حركة تحرره الوطني، المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي وضعت قضية فلسطين في مركز اهتمام العالم كقضية شعب مستعمَر، يخوض كفاحا مشروعاً للتحرر. وفي هذه المعركة المستمرة، لم تواجه حركة التحرر الفلسطيني المشروع الصهيوني الكولونيالي الاحلالي فحسب، بل أيضا النظام الرأسمالي الامبريالي، الذي خلق قضية فلسطين، وعشرات القضايا الأخرى في أسيا و أفريقيا وأميركا الجنوبية. ومن الطبيعي أن تصبح حركة التحرر الفلسطيني جزءً من حركة التحرر العالمية، التي ناضلت من أجل التحرر الوطني والطبقي للشعوب التي استُهدِفَت من قِبل الاستعمار، والنظام الرأسمالي المتوحش. وقد شنت تلك القوى الاستعمارية حروباً إجرامية ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية. ومارست القوى الدولية ضغوطا هائلة على منظمة التحرير الفلسطينية لاختزال طموحات الشعب الفلسطيني، في بناء كيان هزيل في مناطق الضفة والقطاع، ولاخراجها من منظومة التحرر العالمية، ومنظومة القيم الإنسانية التي توجهها.
لقد أنتجت تلك الضغوط الدولية اتفاقية أوسلو الكارثية، التي كشفت ضعفاً صارخا في أهلية الهيئات القيادية الفلسطينية وعجزها عن إدارة النضال، وحتى المفاوضات. وهو عجزٌ تطور الى عطبٍ بنيوي مُدمر في ظل استمرار التمسك باتفاق أُوسلو وبوهم حل الدولتين. ففي ظل ملاحقة هذا السراب، وغياب الفعل المنظم الشامل المضاد، ترسخ المشروع الاستيطاني، بمختلف أوجهه، في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، إضافة إلى الجزء الأكبر من فلسطين المحتل منذ عام ١٩٤٨. والأخطر من ذلك، تمأسَس الانقسام، وتمّ تقويض أداة التحرر ( م.ت.ف) وتشويه الوعي التحرري في المؤسسات القيادية الرسمية، وفي أوساط الطبقة السياسية التي تدعمها. هكذا تم التخلي، مجاناً، عن البعد العقائدي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعن وحدة الشعب الفلسطيني، وخسرنا دولا صديقة، كانت مصدر قوة للقضية الفلسطينية. كل ذلك كان مقابل وعد، أو وهم، بالحصول على دولة فلسطينية على ٢٢٪ من فلسطين التاريخية.
يتواجد في فلسطين التاريخية، اليوم، نظام أبارتهايد كولونيالي متوحش، يتمدد ويترسخ، يتمثل بوجود دولة واحدة هي إسرائيل. وقد أعلنت إسرائيل عن مأسسة هذا النظام غير الإنساني المتوحش، من خلال إصدار قانون القومية الاستعماري عام 2017. وهكذا، قضى هذا النظام الكولونيالي، هو وحليفه الامبريالي، على وهم الدولة الفلسطينية، الذي شل العقل الفلسطيني الرسمي عن تخيّل طريقٍ آخر، وأسكت مقاومة الشعب الفلسطيني، عبر التضليل الإعلامي والتنسيق الأمني المشترك والمشين.
في ذكرى النكبة الفلسطينية والعربية الكبرى، نجدد دعوتنا إلى إستعادة مصادر قوة الشعب الفلسطيني وقضيته، المتمثلة في وحدته وعدالة قضيته، كقضية تحرر وطني من سيطرة نظام استعماري وفصل عنصري، و في ارتباطه الكفاحي والأخلاقي مع حركات الشعوب، العالمية والعربية، التي تُجدد نضالاتها وانتفاضاتها البطولية من أجل التحرر من الاستغلال الطبقي والاجتماعي، والاستبداد السياسي. نُجدد دعوتنا إلى الإلتفاف حول رؤية تحررية وطنية وديمقراطية، تُنصف كل تجمعات الشعب الفلسطيني، وبخاصة اللاجئين، وتُقدّم حلاً إنسانياً للمسالة اليهودية في فلسطين.
هذا يتحقق من خلال هزيمة نظام الابارتهايد الكولونيالي، وإقامة الدولة الديمقراطية الواحدة على امتداد الأرض الفلسطينية بين البحر والنهر، تضمن الأمن والمساواة والرخاء لجميع مواطنيها، بغض النظر عن القومية و العرق والدين . أما الطريق الى ذلك، فيتم عبر جبهة شعبية عريضة، تقع مسؤولية تشكيلها على كل القوى والأطر المهنية والنقابية، والشخصيات الاكاديمية والمثقفة، والروابط الأدبية، المتمسكة بفلسطين، كل فلسطين، وبقيم التحرر والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
نعم للتحرر والحرية
المجد والخلود للشهداء.
بيان صادر عن عدة مجموعات تدعو الى الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية، إلتقت يوم الاثين، الموافق ١١أيار للمرة الأولى، عبر تطبيق نظام “الزوم” بهدف تطوير التعاون والتفاعل والمساهمة في بلورة رؤية تحررية بديلة، وإستراتيجية عمل مشترك.
أيار٢٠٢٠
للاستفسار و التواصل معنا: +972-50-571-9484