تشهد الساحة الفلسطينية في المنطقة المحتلة عام ١٩٤٨، في الأسابيع الأخيرة، ما يشبه بدايات انتفاضة شعبية على خلفية انتشار الجريمة وظاهرة العنف المرعبة في صفوف هذا الجزء من شعب فلسطين، الذي نجا من مخالب نظام التطهير العرقي قبل سبعين عاماً، والمتمثل بدولة الأبرتهايد الاستعمارية المستمر في ممارساته الوحشية في كل فلسطين التاريخية.
ويصب فلسطينيو ال٤٨، الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية غضبهم العارم على حكومة الأبرتهايد وشرطتها، التي يتهمونها بالمسئولية المباشرة عن هذه الظاهرة، كجزء من سياسات السيطرة والممارسة الاستعمارية الداخلية المعتمدة منذ أكثر من سبعين عاماً، وباتوا ينظرون إلى ظاهرة العنف والجريمة كخطرٍ وجوديّ على كيانهم الاجتماعي. فقد وحّدهم الألم وفجيعة الفقدان اليومي، و برز في مقدمة هذا الحراك الأمهات والنساء والشباب، الذين فقدوا الشعور بالأمان الشخصي، ويعيشون الآن في رعب كبير.
لقد بدأت ظاهرة العنف تنتشر ، بصورة تصاعدية، بعد انفجار الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠، وامتدادها داخل الخط الأخضر ، وانخراط فلسطينيي ال ٤٨، في هبة شعبية عارمة غير مسبوقة من حيث حدّتها وشموليتها وطول مدتها، تضامناً مع إخوتهم ومساندة لنضالهم العادل. وقد شكّل الجيل الجديد عصب هذه الهبة الشعبية العارمة، التي ووجهت من قِبل قوات الأمن الصهيونية بوحشية، انتهت باستشهاد ١٣ شاباً، وجرح المئات، رغم أنها كانت غير مسلّحة.
وقد اعترفت لجنة أور الإسرائيلية، التي تم تشكيلها بعد انتهاء الهبة تحت ضغط القيادات العربية للتحقيق في سلوك الشرطة، أن مشاعر الغبن التاريخي والحرمان كانت عاملاً أساسياً في تفجر الغضب، إضافة إلى شعور الانتماء إلى شعبهم الذي كانت تتعرض انتفاضته في القدس وقطاع غزة والضفة الغربية في الوقت ذاته لمجزرة كبرى. وقد شكّلت هبّة فلسطيني ال٤٨ صدمة للمؤسسة الإسرائيلية، إذ رأت بأمّ عينها انهيار سياسات التدجين والأسرلة، والمحاولات المحمومة لفصل فلسطينيي ال٤٨ عن بقية شعبهم وقضيته الوطنية، المسنودة بمخططات نهب منهجية، واحتجاز التطور الطبيعي لهذا الجزء من الشعب.
منذ يومها، وبدلاً من مراجعة دولة الأبرتهايد لخلفيات الانفجار الشعبي ومعالجة تبعاته وإيقاف سياساتها العدوانية، أقدمت على اعتماد مخططات عنصرية وقمعية جديدة، تكرّس ممارستها العنصرية والاستعمارية، ونظرتها التاريخية إلى فلسطينيي ال ٤٨، كطابور خامس وخطر أمني.
وقد هيّئت هذه السياسات الاستعمارية التدميرية بما فيها سياسة الإفقار المستمر وهدم البيوت، كل الظروف والمقدمات لانتشار العنف والجريمة باعتبار ذلك أرخص وسيلة استعمارية لتعزيز السيطرة والحصار .
لقد جاء تسارع وتنامي الحِراكات الشعبية الواسعة الغاضبة، في القرى والمدن الفلسطينية داخل الخط الأخضر، بعد أن تأكد للناس رغبة المؤسسة الصهيونية في تغذية القتل الداخلي، وبعد أن عجزت القيادات السياسية العربية عن إطلاق إستراتيجية نضالية حقيقية من أجل توفير حماية للناس، وفشلها في إحداث أي تغيير جدّي داخل كنيست الأبرتهايد. ولهذا انطلقت المبادرات الشعبية المحلية، وتكاثرت على الأرض بمبادرة وإرادة الناس الحقيقية، وهي تتجه الآن لأن تصبح منسقةً على مستوى قطري، بعد اضطرار القيادات للحاق بهذا الحراك.
وفي ضوء انقسام القائمة المشتركة، و تراجع وتحلل الخطاب السياسي، واختزاله في خطاب خدماتٍ بائس وخطير، على مذبح التنافس على التمثيل في كنيست نظام الأبرتهايد الكولونيالي، ترى حملة الدولة الديمقراطية الواحدة، أن ما يضمن تطور الحراك الشعبي الراهن، ثلاثة شروط أساسية :
الأول؛ مواصلة الحراك من تحت، أي من خلال اللجان الشعبية القائمة، ومن خلال إطلاق مبادرات شعبية مستقلة قوية، يكون العنصر النسائي والشبابي، الأكثر وعياً ونشاطاً، في صلبها. لأن هذا ما يضمن الاستمرارية، إذ بدون الاستمرارية لن تتحقق تراكمية، ولا ثمار للنضال.
الثاني؛ ضرورة التنسيق والتشبيك على المستوى القطري، بين كافة هذه الأطر، كوننا شعباً واحداً مستهدفاً من قبل نفس نظام القهر، الذي يحكم ويستعمر فلسطين من البحر إلى النهر، وأن تضطلع لجنة المتابعة العليا الممثلة لفلسطينيي ال ٤٨، بمهمة إدارة النضال الشعبي الذي تتحقق ديمومته ونجاحه فقط عند إعادة بنائها بصورة مهنية وكمرجعية وطنية جامعة، وأن تكون معبّرة عن إرادة الناس الحقيقية.
الثالث؛ تصويب الخطاب السياسي، من خلال إعادة تعريف النظام المسؤول عن تفشي الجريمة داخل المجتمع الفلسطيني في المنطقة المحتلة عام ١٩٤٨، كنظام فصل عنصري واستعماري استيطاني صُمم منذ البداية ليكون على هذا النحو. إن الخطاب السائد الذي ينسب تفشي الجريمة لإهمال الشرطة، وللتمييز العنصري، هو خطاب مثلوم وقاصر، ويعيق بناء وعي سليم، وثقافة وطنية تحررية.
إنه النظام الاستعماري الذي يواصل استعمارنا منذ عام ١٩٤٨، من خلال سرقة الأرض، وتهجيرنا، وحصارنا بالمستوطنات، وخنق تطورنا الطبيعي، وهو نفسه الذي يواصل احتلال واستعمار القدس، والضفة، و قطاع غزة، ويواصل التنكر لحق العودة لملايين اللاجئين.وبالتالي بات ملحاً مواجهة هذا النظام كشعب واحد وموحد.
تحية لشعبنا داخل الخط الأخضر ، وخاصة لنسائه وشبابه الذين ينتفضون لرسم طريق آخر ، ومستقبل آمن، في مواجهة نظام إجرامي يدوس القوانين الدولية والقيم الانسانية، بصورة منهجية.
نعم للحياة
نعم للتحرر والحرية
” حملة الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية”
١٠/٢/٢٠٢١
فلسطين