منذ شهرٍ ونصف، يعيشُ كيان الابرتهايد الكولونيالي، مرحلةً غير مسبوقة من الصراع الداخلي، حول شكل الدولة وجهاز القضاء، وتتسع حركة الإحتجاج التي تُنذر بتصعيد حدة المواجهة، بعد أن سمعنا تصريحات “قتالية” لمسؤولين كبار سابقين، سياسيين وأمنيين وعسكريين، يدعون الى الانتفال الى العصيان المدني، بل الى أشكال أخرى من المواجهة، أكثر صدامية. وليس بمقدور أحد استشراف مآلات هذا الصراع الداخلي، متى وكيف سينتهي، وهل سيقوّض هذا الصراع التماسك الداخلي للنخبة والمؤسسات الصهيونية التي تقود المشروع الكولونيالي، وكيف سيؤثر كل ذلك على الفلسطينيين، وعلى حياتهم ومستقبل كفاحهم من أجل التحرر . لكن ما يمكن الجزم به، هو أنه حتى لو توصل الائتلاف والمعارضة، في الكيان، الى تسوية فإن الشرخ الذي حصل داخل الدولة والمجتمع الاستيطاني، منذ عقود، وتفاقم في العقد والنصف الاخير، سيظل قائما ولا شفاء منه، بسبب تناقضات المشروع الصهيونية، وطابعه العنصري الاقصائي، والتحولات الديمغرافية.
وبينما لا يكتفي أبناء شعبنا الفلسطيني في الأرض المحتلة عام ١٩٦٧، وخاصة في العاصمة الفلسطينية، القدس وضواحيها، بالمراقبة ومتابعة هذا التطور الجديد، بل يواصلون نضالهم وصمودهم الاسطوري، في مواجهة منظومة القتل والحصار ، يتواصل النقاش داخل اوساط النخبة السياسية لفلسطينيي ٤٨، حول الموقف العملي مما يجري. ومع أن جزءا من قيادات أحزاب سياسية، عربية، وحفنة من النشطاء، تشارك وتدعو للمشاركة، فإن الغالبية الساحقة من الجسم السياسي الحزبي والشعبي، ممتنعون عن المشاركة، لادراكهم لما تنطوي عليه هذه المشاركة من تناقض أخلاقي، وضرر سياسي. إن هذه الاحتجاجات، تجري ضمن أجندة صهيونية واضحة، ويقودها استعماريون عدوانيون، ومجرمو حرب، و يُقصون من شعاراتهم وبرامجهم المظالم التي يتعرض لها الفلسطينيون في كل مكان، بل أنهم يرفضون مشاركة المواطنين العرب، لأنهم يتصرفون على أن هذا الصراع هو داخلي بين اليهود انفسهم، وضمناً أن الدولة ليست للعرب، أي الفلسطينيون الذين يعيشيون تحت المواطنة الكولونيالية، هذا من ناحية ايدلوجية. أما من ناحية عملية، فـإن قيادة المعارضة ترى أن مشاركة هؤلاء الفلسطينيين، حملة المواطنة، تضر بمعركتها ضد الحكومة ، لأن هذه المشاركة ستستخدم كمادة تحريضية من جانب الإئتلاف الحاكم، الذي يقوده نتانياهو ، وبن غفير، وسموترش.
لسنا بصدد صراع طبقي، فالمشروع الكولونيالي والامتيازات التي يوفرها للمجتمع الاستيطاني، تحول دون تطور وعي طبقي. كما أنه ليس صراعاً حول الحلول المطلوبة لإنهاء جريمة الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري، وإنهاء مظالم الشعب الفلسطيني، بل هو صراع حول النظام السياسي، دون المّس بالجوهر اليهودي والكولونيالي للدولة .
لهذا يرفضُ المواطنون الفلسطينيون المشاركة في مظاهرات تهدف الى حماية الديمقراطية اليهودية الاجرامية، هذه الديمقراطية، أي حكم الاغلبية، التي وُلدت من خلال ارتكاب جرائم الطرد والمجازر ، والتطهير العرقي، والتي تتواصل، عبر البندقية، والطيارة، والدبابة، والبولدوزر ، ومن خلال المحكمة العليا التي شرّعت وتُشرع كل هذه الجرائم . فالمشاركة من جانب الفلسطينيين، تنطوي على ثمنٍ أخلاقي وسياسي كبير ، وتخريب للوعي، و تهديد للتضامن الجماعي.
ليس هناك طريق أمام الفلسطينيين واليهود المناهضين للفصل العنصري وللاستعمار الكولونيالي، سوى المقاومة المشتركة، في إطار حركة مناهضة لنظام الابرتهايد الاستعماري الممتد بين البحر والنهر، حركة مسلحةٌ باستراتيجية مقاومة طويلة الأمد، وبرؤية تحررية وطنية وانسانية، تشمل من يعيش في فلسطين ومن تم طردهم بالقوة على يد الحركة الصهيونية وتجسيدها إسرائيل، تقودنا الى دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية على أنقاض نظام الابرتهايد وافرازاته الاجرامية .
هذا هو البديل عن المشاركة في حركة احتجاج كولونيالية عنصرية، وكذلك بديل عن إسقاط رغباتنا وتمنياتنا بأن تؤول هذه الازمة الداخلية الى إنهاء هذا النظام الاستعماري. إن هذا الهدف تُحققه فقط الحركة الوطنية الفلسطينية، الديمقراطية، بعد إعادة بناء ذاتها، ورؤيتها التحررية الانسانية، وعبر إجادة الجمع بين النضال الشعبي الداخلي، والنضال الخارجي المتمثل باستراتيجية المقاطعة وعولمة النضال.
“حملة الدولة الديمقراطية الواحدة” ٢١ شباط ٢٠٢٣.