أمام الفكرة تحديات موضوعية هائلة، تتمثل في واقع الحركة الوطنية الفلسطينية الراهن، واكتساح المشروع الكولونيالي كل فلسطين، والواقع العربي والدولي المتردي.
لكن التحدي العملي الأولي أمام المنادين بالدولة الديمقراطية الواحدة، هو تأسيس حركة شعبية واسعة، أي الانتقال من المجموعات المتفرقة، التي أخذت حتى الآن صبغة أكاديمية، إلى الميدان، والانطلاق للإسهام في تغيير ميزان القوى الذي يبدأ أولا بتغيير الوعي، واستعادة القاموس السياسي التحرري، ومفرداته السياسية والأخلاقية، ليكون المنطلق الفكري الذي تنطلق منه الأجيال الجديدة، وتتشكل حوله المبادرات المتعددة.
إن تأسيس الحملة، بصفتها إطارا جامعا، يشمل فلسطينين من كافة تجمعات الشعب الفلسطيني، ويهودا مناهضين للصهيونية، وانطلاقا من أرض فلسطين، بهدف العمل للتحول إلى حركة تحررية شعبية، هو ما يشكل إضافة جديدة إلى جميع المبادرات المهمة، الأكاديمية والفكرية، التي نادت بالدولة الواحدة.
كما يميزها أنها حملة اندماجية، اندمج فيها حتى الآن مجموعات وأفراد كانوا دائما منخرطين في حراك من أجل حل الدولة الواحدة. وهذا تمشيا مع توجه الحملة الرسمي، الذي يتمثل بالانفتاح على، واستيعاب كل المعنيين فيها، على قاعدة الشراكة الكاملة في العمل والنضال وصياغة التوجهات.
الخطوط العريضة الموجهة للخطة التي يجري العمل على بنائها هي:
أولاً: بناء تنظيمي وفكري:
تطوير وإغناء البرنامج السياسي نحو برنامج مفصل لشكل ومضمون الدولة المنشودة، بالتوازي مع العمل على استكمال بناء الحملة، بكافة لجانها الفرعية، وأطرها المهنية والشعبية والطلابية والشبابية، تهيئةً لتحولها إلى حركة شعبية واسعة، وإلى لاعب سياسي فاعل في الساحة. وهذا يجري عبر اللقاءات الداخلية المنهجية والتواصل مع أصحاب الاختصاص المعرفي من أبناء وبنات شعبنا.
ثانيا: من أجل نقل فكرة الدولة الواحدة إلى مركز الخطاب الفلسطيني العام، وبناء تيار وعي جديد، وخاصةً في الوسط الشعبي، تسعى الحملة إلى تطوير حملات إعلامية متواصلة، معتمدة مختلف وسائل التواصل الإعلامي والتواصل الاجتماعي.
ثالثاً؛ تسعى الحملة إلى تطوير خطط وبرامج عملية لكل تجمع فلسطيني، ترتبط بهموم الناس المباشرة، وحقوقهم المدنية والوطنية، وبمهمة تنظيمهم وبناء اللجان والمؤسسات المهنية والتمثيلية، على أساس كونهم فلسطينيين، في داخل منطقة 48، في الضفة والقطاع والقدس، في مخيمات اللجوء، وفي المهجر خاصة في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأوروبا، وذلك من خلال ربط الأجندات الخاصة بكل تجمع مع فكرة فلسطين الواحدة؛ جغرافيًّا وديمغرافيًّا، حضاريًّا، وسياسيًّا، ووطنيًّا.
ويتأتى هذا الربط الوطني، من خلال العمل الثقافي والإعلامي والأكاديمي والطلابي والنسائي والعمّالي المشترك، ومن خلال إحياء مناسبات وطنية وقومية مشتركة، مثل ذكرى النكبة، وغيرها، وخوض نضالات مشتركة، مثل تنظيم مسيرات عودة من داخل فلسطين، أو من خارج فلسطين نحو الحدود، أي حول أي قضية وطنية.
رابعا: المبادرة في التواصل والتشبيك مع القوى العربية الوطنية، التقدمية والديمقراطية واليسارية (الإنسانية)، في عموم الوطن العربي، بكافة تنوعه القومي والإثني والديني، انطلاقا من العلاقة الحضارية التاريخية والجغرافية، والرؤيا التحررية الوطنية والديمقراطية والتنموية، المشتركة.
خامساً: التواصل مع العالم الإسلامي، بما يمتلك من قوة هائلة كامنة مساندة للحق الفلسطيني، وخاصةً تلك القوى المتنورة الشعبية والمدنية، وبعض أنظمته الرسمية التي لم تطبع مع الكيان الإسرائيلي، ماليزيا، وباكستان، والتي لم تتورط بقمع ثورات عربية داخلية، وغيرها. وهذه القوة مهملة إلى حد كبير ونادرًا ما يجري الالتفات إليها من قبل القوى القومية الديمقراطية الفلسطينية والعربية.
سادساً: الانخراط في الجهود المتجددة الجارية التي تقوم بها أطر شعبية فلسطينية، وأبرزها حركة المقاطعة الوطنية، BDS، للتواصل مع حركات التضامن العالمية مع قضية فلسطين، وأحرار العالم في المجتمع المدني، لا سيما اليهود التقدميون منهم، والكنائس المسيحية العالمية التقدمية.
ترى حملة الدولة الديمقراطية الواحدة، كإطار تحرري، نضالَ الشعب الفلسطيني، ضد نظام الاستعمار في فلسطين، كجزء من نضال شعوب العالم من أجل تحررها من الكولونيالية، ومن طغيان النظام الرأسمالي المتوحش، ومن أجل نظام عالمي أقل قسوة، وأكثر عدلا وإنصافا لعموم الشعب.
تستند هذه الرؤيا إلى كون النظام الرأسمالي الإمبريالي، المستمر، هو الذي خلق مأساة شعب فلسطين، وعشرات الشعوب في مختلف أنحاء العالم، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والتي لاتزال العديد منها تواجه ذلك الإرث الكولونيالي المدمر لحياة الناس ومستقبلهم.
في العقدين الماضيين، شهدنا إحياءً لافتا لحركة الشعوب، وللثورات، ولحركات الاحتجاج الواسعة، في الغرب والشرق، والتي أدخلت مفاهيم تحررية جديدة، وتقاطعات نضال متنوع، إثني وإجتماعي وقومي وجندري، ضد مجمل النظام الرأسمالي المتطرف.
وتطالب هذه الشعوب وحركاتها بالمساواة والعدالة، وإنهاء الفجوات الاجتماعية، والظلم الاقتصادي، الذي تكتوي بناره. ثَمَّ وعيٌ يتشكل مجددا، بأن قضية فلسطين رمزٌ للنضال من أجل العدالة، وبأن إسرائيل جزءٌ من هذا النظام العالمي المستبد، ليس فقط كونها تغتصب فلسطين، بل كونها –أيضا- جزءًا من النظام العالمي الراهن الذي يستغلها وينهبها، وذلك من خلال الاطلاع على دور إسرائيل التاريخي والمستمر في بيع الأسلحة ووسائل القمع والمراقبة، لأنظمة استبدادية، في أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وآسيا، والعالم العربي، لاستعمالها في قمع شعوبها، وللبقاء على عروشها.